الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: تفسير الطبري المسمى بـ «جامع البيان في تأويل آي القرآن» ***
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَقُولُ يُوسُفُ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ: وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي مِنَ الْخَطَأِ وَالزَّلَلِ فَأُزَكِّيهَا {إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ}، يَقُولُ: إِنَّ النُّفُوسَ نُفُوسَ الْعِبَادِ، تَأْمُرُهُمْ بِمَا تَهْوَاهُ، وَإِنْ كَانَ هَوَاهَا فِي غَيْرِ مَا فِيهِ رِضَا اللَّهِ {إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي} يَقُولُ: إِلَّا أَنْ يَرْحَمَ رَبِّي مَنْ شَاءَ مَنْ خَلْقِهِ، فَيُنْجِيهِ مِنَ اتِّبَاعِ هَوَاهَا وَطَاعَتِهَا فِيمَا تَأْمُرُهُ بِهِ مِنَ السُّوءِ {إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ}. وَ “ مَا “ فِي قَوْلِهِ: {إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي}، فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ، وَذَلِكَ أَنَّهُ اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ عَمَّا قَبِلَهُ، كَقَوْلِهِ: {وَلَا هُمْ يُنْقَذُونَ إِلَّا رَحْمَةً مِنَّا} [سُورَةُ يَس: 43] بِمَعْنَى: إِلَّا أَنْ يُرْحَمُوا. وَ“ أَنْ “، إِذَا كَانَتْ فِي مَعْنَى الْمَصْدَرِ، تُضَارِعُ “ مَا “. وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ: {إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ}، أَنَّ اللَّهَ ذُو صَفْحٍ عَنْ ذُنُوبِ مَنْ تَابَ مِنْ ذُنُوبِهِ، بِتَرْكِهِ عُقُوبَتَهُ عَلَيْهَا وَفَضِيحَتَهُ بِهَا “ رَحِيمٌ “، بِهِ بَعْدَ تَوْبَتِهِ، أَنْ يُعَذِّبَهُ عَلَيْهَا. وَذُكِرَ أَنَّ يُوسُفَ قَالَ هَذَا الْقَوْلَ، مِنْ أَجْلِ أَنَّ يُوسُفَ لَمَّا قَالَ: {ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ}، قَالَ مَلَكٌ مِنَ الْمَلَائِكَةِ: وَلَا يَوْمَ هَمَمْتَ بِهَا! فَقَالَ يُوسُفُ حِينَئِذٍ: {وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ}. وَقَدّ قِيلَ: إِنَّ الْقَائِلَ لِيُوسُفَ: “ وَلَا يَوْمَ هَمَمْتَ بِهَا، فَحَلَلْتَ سَرَاوِيلَكَ “! هُوَ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ، فَأَجَابَهَا يُوسُفُ بِهَذَا الْجَوَابِ. وَقِيلَ: إِنَّ يُوسُفَ قَالَ ذَلِكَ ابْتِدَاءً مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمَّا جَمَعَ الْمَلِكُ النِّسْوَةَ فَسَأَلَهُنَّ: هَلْ رَاوَدْتُنَّ يُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ؟ قُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ، مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ! قَالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ: {الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ} الْآيَةَ. قَالَ يُوسُفُ: {ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ}، قَالَ فَقَالَ لَهُ جِبْرِيلُ: وَلَا يَوْمَ هَمَمْتَ بِمَا هَمَمْتَ! فَقَالَ: {وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ}. حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمَّا جَمَعَ الْمَلِكُ النِّسْوَةَ، قَالَ لَهُنَّ: أَنْتُنَّ رَاوَدْتُنَّ يُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ؟ ثُمَّ ذَكَرَ سَائِرَ الْحَدِيثِ، مِثْلَ حَدِيثِ أَبِي كُرَيْبٍ، عَنْ وَكِيعٍ. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرٌو قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْرَائِيلُ عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمَّا جَمَعَ فِرْعَوْنُ النِّسْوَةَ، قَالَ: أَنْتُنَّ رَاوَدْتُنَّ يُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ؟ ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوَهُ غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ: فَغَمَزَهُ جِبْرِيلُ، فَقَالَ: وَلَا حِينَ هَمَمْتَ بِهَا! فَقَالَ يُوسُفُ: {وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ}. حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ وَحَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ مُسَعَّرٍ، عَنْ أَبِي حُصَيْنٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: لَمَّا قَالَ يُوسُفُ: {ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ}. قَالَ جِبْرِيلُ، أَوْ مَلَكٌ: وَلَا يَوْمَ هَمَمْتَ بِمَا هَمَمْتَ بِهِ؟ فَقَالَ: {وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ}. حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ قَالَ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ قَالَ: حَدَّثَنَا مُسَعَّرٌ، عَنْ أَبِي حُصَيْنٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، بِنَحْوِهِ إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: قَالَ لَهُ الْمَلَكُ: وَلَا حِينَ هَمَمْتَ بِهَا؟ وَلَمْ يَقُلْ: “ أَوْ جِبْرِيلُ “، ثُمَّ ذَكَرَ سَائِرَ الْحَدِيثِ مِثْلَهُ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ، وَأَحْمَدُ بْنُ بَشِيرٍ، عَنْ مُسَعَّرٍ، عَنْ أَبَى حُصَيْنٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: {ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ}، قَالَ فَقَالَ لَهُ الْمَلَكُ أَوْ جِبْرِيلُ: وَلَا حِينَ هَمَمْتَ بِهَا؟ فَقَالَ يُوسُفُ: {وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ}. حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي سِنَانٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي الْهُذَيْلِ قَالَ: لَمَّا قَالَ يُوسُفُ: {ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ}، قَالَ لَهُ جِبْرِيلُ: وَلَا يَوْمَ هَمَمْتَ بِمَا هَمَمْتَ بِهِ؟ فَقَالَ: {وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ}. حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي سِنَانٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي الْهُذَيْلِ، بِمِثْلِهِ. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرٌو قَالَ: أَخْبَرَنَا مُسَعَّرٌ، عَنْ أَبِي حُصَيْنٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، مِثْلَ حَدِيثِ ابْنِ وَكِيعٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ بِشْرٍ وَأَحْمَدَ بْنِ بَشِيرٍ سَوَاءً. حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ: حَدَّثَنَا الْعَلَاءُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، وَزَيْدُ بْنُ حَبَّابٍ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنِ الْحَسَنِِ: {ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ}، قَالَ لَهُ جِبْرِيلُ: اذْكُرْ هَمَّكَ! فَقَالَ: {وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ}. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ قَالَ: حَدَّثَنَا عَفَّانُ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنِ الْحَسَنِِ: {ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ} قَالَ جِبْرِيلُ: يَا يُوسُفُ اذْكُرْ هَمَّكَ! قَالَ: {وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ}. حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ قَالَ: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ سَالِمٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، فِي قَوْلِهِ: {ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ}، قَالَ: هَذَا قَوْلُ يُوسُفَ قَالَ: فَقَالَ لَهُ جِبْرِيلُ: وَلَا حِينَ حَلَلْتَ سَرَاوِيلَكَ؟ قَالَ فَقَالَ يُوسُفُ: {وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ} الْآيَةَ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ سَالِمٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، بِنَحْوِهِ. حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: {ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ} ذُكِرَ لَنَا أَنَّ الْمَلَكَ الَّذِي كَانَ مَعَ يُوسُفَ، قَالَ لَهُ: اذْكُرْ مَا هَمَمْتَ بِهِ. قَالَ نَبِيُّ اللَّهِ: {وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ}. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مُعَمِّرٍ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ الْمَلَكَ قَالَ لَهُ حِينَ قَالَ مَا قَالَ: أَتَذْكُرُ هَمَّكَ؟ فَقَالَ: {وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي}. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ: حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، قَوْلُهُ: {ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ}، قَالَ الْمَلَكُ، وَطَعَنَ فِي جَنْبِهِ: يَا يُوسُفُ، وَلَا حِينَ هَمَمْتَ؟ قَالَ: فَقَالَ: {وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي}. ذِكْرُ مَنْ قَالَ: قَائِلُ ذَلِكَ لَهُ الْمَرْأَةُ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرٌو، عَنْ أَسْبَاطَ، عَنِ السُّدِّيِّ: {ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ}، قَالَ: قَالَهُ يُوسُفُ حِينَ جِيءَ بِهِ، لِيَعْلَمَ الْعَزِيزُ أَنَّهُ لَمْ يَخُنْهُ بِالْغَيْبِ فِي أَهْلِهِ، وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ. فَقَالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ: يَا يُوسُفُ، وَلَا يَوْمَ حَلَلْتَ سَرَاوِيلَكَ؟ فَقَالَ يُوسُفُ: {وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ}. ذَكَرَ مَنْ قَالَ: قَائِلُ ذَلِكَ يُوسُفُ لِنَفْسِهِ، مِنْ غَيْرِ تَذْكِيرِ مُذَكِّرٍ ذَكَّرَهُ وَلَكِنَّهُ تَذَكَّرَ مَا كَانَ سَلَفَ مِنْهُ فِي ذَلِكَ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: حَدَّثَنِي عَمِّي قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: {ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ}، هُوَ قَوْلُ يُوسُفَ لِمَلِيكِهِ، حِينَ أَرَاهُ اللَّهُ عُذْرَهُ، فَذَكَرَ أَنَّهُ قَدْ هَمَّ بِهَا وَهَمَّتْ بِهِ، فَقَالَ يُوسُفُ: {وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ} الْآيَةَ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: “ وَقَالَ الْمَلِكُ “، يَعْنِي مَلِكَ مِصْرَ الْأَكْبَرَ، وَهُوَ فِيمَا ذَكَرَ ابْنُ إِسْحَاقَ: الْوَلِيدُ بْنُ الرَّيَّانِ. حَدَّثَنَا بِذَلِكَ ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا سَلَمَةُ، عَنْهُ. حِينَ تَبَيَّنَ عُذْرَ يُوسُفَ، وَعَرَفَ أَمَانَتَهُ وَعِلْمَهُ، قَالَ لِأَصْحَابِهِ: {ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي}، يَقُولُ: أَجْعَلُهُ مِنْ خُلَصَائِي دُونَ غَيْرِي. وَقَوْلُهُ: {فَلَمَّا كَلَّمَهُ}، يَقُولُ: فَلَمَّا كَلَّمَ الْمَلِكُ يُوسُفَ، وَعَرَفَ بَرَاءَتَهُ وَعِظَمَ أَمَانَتِهِ قَالَ لَهُ: إِنَّكَ يَا يُوسُفُ، “ {لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ} “، أَيْ: مُتَمَكِّنٌ مِمَّا أَرَدْتَ وَعَرَضَ لَكَ مِنْ حَاجَةٍ قِبَلَنَا، لِرِفْعَةِ مَكَانِكَ وَمَنْـزِلَتِكَ، لَدَيْنَا أَمِينٌ عَلَى مَا اؤْتُمِنْتَ عَلَيْهِ مِنْ شَيْءٍ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرٌو، عَنْ أَسْبَاطَ، عَنِ السُّدِّيِّ قَالَ: لَمَّا وَجَدَ الْمَلِكُ لَهُ عُذْرًا قَالَ: {ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي}. حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: {أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي}، يَقُولُ: أَتَّخِذْهُ لِنَفْسِي. حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي سِنَانٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي الْهُذَيْلِ قَالَ الْمَلِكُ: {ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي} قَالَ: قَالَ لَهُ الْمَلِكُ: إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُخَلِّصَكَ لِنَفْسِي، غَيْرَ أَنِّي آنَفُ أَنْ تَأْكُلَ مَعِي. فَقَالَ يُوسُفُ: أَنَا أَحَقُّ أَنْ آنَفَ، أَنَا ابْنُ إِسْحَاقَ أَوْ: أَنَا ابْنُ إِسْمَاعِيلَ أَبُو جَعْفَرٍ شَكَّ، وَفِي كِتَابِي: ابْنُ إِسْحَاقَ ذَبِيحِ اللَّهِ، ابْنِ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلِ اللَّهِ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي سِنَانٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي الْهُذَيْلِ بِنَحْوِهِ غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ: أَنَا ابْنُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلِ اللَّهِ، ابْنُ إِسْمَاعِيلَ ذَبِيحِ اللَّهِ. حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي سِنَانٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي الْهُذَيْلِ قَالَ: قَالَ الْعَزِيزُ لِيُوسُفَ: مَا مِنْ شَيْءٍ إِلَّا وَأَنَا أُحِبُّ أَنْ تُشْرِكَنِي فِيهِ، إِلَّا أَنِّي أُحِبُّ أَنْ لَا تُشْرِكَنِي فِي أَهْلِي، وَأَنْ لَا يَأْكُلَ مَعِي عَبْدِي! قَالَ: أَتَأْنَفُ أَنْ آكُلَ مَعَكَ؟ فَأَنَا أَحَقُّ أَنْ آنَفَ مِنْكَ، أَنَا ابْنُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلِ اللَّهِ، وَابْنُ إِسْحَاقَ الذَّبِيحِ، وَابْنُ يَعْقُوبَ الَّذِي ابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ. حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُقْبَةَ، عَنْ حَمْزَةَ الزَّيَّاتِ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي مَيْسَرَةَ قَالَ: لَمَّا رَأَى الْعَزِيزُ لَبَقَ يُوسُفَ وَكَيْسَهُ وَظُرْفَهُ، دَعَاهُ فَكَانَ يَتَغَدَّى وَيَتَعَشَّى مَعَهُ دُونَ غِلْمَانِهِ. فَلَمَّا كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَرْأَةِ مَا كَانَ، قَالَتْ لَهُ: تُدْنِي هَذَا! مُرْهُ فَلْيَتَغَدَّ مَعَ الْغِلْمَانِ. قَالَ لَهُ: اذْهَبْ فَتَغَدَّ مَعَ الْغِلْمَانِ. فَقَالَ لَهُ يُوسُفُ فِي وَجْهِهِ: تَرْغَبُ أَنْ تَأْكُلَ مَعِي أَوْ تَنْكَفَ أَنَا وَاللَّهِ يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ نَبِيِّ اللَّهِ، ابْنِ إِسْحَاقَ ذَبِيحِ اللَّهِ، ابْنِ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلِ اللَّهِ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: قَالَ يُوسُفُ لِلْمَلِكِ: اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ أَرْضِكَ. وَهِيَ جَمْعُ “ خِزَانَةٍ “. وَ “ الْأَلِفُ وَاللَّامُ “ دَخَلَتَا فِي “ الْأَرْضِ “ خَلَفًا مِنَ الْإِضَافَةِ، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ: وَالْأَحْلَامُ غَيْرُ عَوَازِبِ *** وَهَذَا مِنْ يُوسُفَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ، مَسْأَلَةٌ مِنْهُ لِلْمَلِكِ أَنْ يُوَلِّيَهُ أَمْرَ طَعَامِ بَلَدِهِ وَخَرَاجِهَا، وَالْقِيَامَ بِأَسْبَابِ بَلَدِهِ، فَفَعَلَ ذَلِكَ الْمَلِكُ بِهِ، فِيمَا بَلَغَنِي، كَمَا:- حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِيقَوْلِهِ: {اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ}، قَالَ: كَانَ لِفِرْعَوْنَ خَزَائِنُ كَثِيرَةٌ غَيْرُ الطَّعَامِ قَالَ: فَأَسْلَمَ سُلْطَانَهُ كُلَّهُ إِلَيْهِ، وَجَعَلَ الْقَضَاءَ إِلَيْهِ، أَمْرُهُ وَقَضَاؤُهُ نَافِذٌ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُخْتَارِ، عَنْ شَيْبَةَ الضَّبِّيِّ، فِي قَوْلِهِ: {اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ}، قَالَ: عَلَى حِفْظِ الطَّعَامِ. وَقَوْلُهُ: {إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ} اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِهِ. فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَى ذَلِكَ: إِنِّي حَفِيظٌ لِمَا اسْتَوْدَعْتَنِي، عَلِيمٌ بِمَا وَلَّيْتَنِي.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ: {إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ}، إِنِّي حَافِظٌ لِمَا اسْتَوْدَعْتَنِي، عَالِمٌ بِمَا وَلَّيْتَنِي. قَالَ: قَدْ فَعَلْتُ. حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَوْلُهُ: {إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ}، يَقُولُ: حَفِيظٌ لِمَا وُلِّيتُ، عَلِيمٌ بِأَمْرِهِ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُخْتَارِ، عَنْ شَيْبَةِ الضَّبِّيِّ فِي قَوْلِهِ: {إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ} يَقُولُ: إِنِّي حَفِيظٌ لِمَا اسْتَوْدَعْتَنِي، عَلِيمٌ بِسِنِيِ الْمَجَاعَةِ. وَقَالَ آخَرُونَ: إِنِّي حَافِظٌ لِلْحِسَابِ، عَلِيمٌ بِالْأَلْسُنِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرٌو، عَنِ الْأَشْجَعِيِّ: {إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ}، حَافِظٌ لِلْحِسَابِ، عَلِيمٌ بِالْأَلْسُنِ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَأَوْلَى الْقَوْلَيْنِ عِنْدَنَا بِالصَّوَابِ، قَوْلُ مَنْ قَالَ: مَعْنَى ذَلِكَ: “ إِنِّي حَافِظٌ لِمَا اسْتَوْدَعْتَنِي، عَالِمٌ بِمَا أَوْلَيْتَنِي “، لِأَنَّ ذَلِكَ عَقِيبَ قَوْلِهِ: {اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ}، وَمَسْأَلَتِهِ الْمَلِكَ اسْتِكْفَاءَهُ خَزَائِنَ الْأَرْضِ، فَكَانَ إِعْلَامُهُ بِأَنَّ عِنْدَهُ خِبْرَةً فِي ذَلِكَ وَكِفَايَتُهُ إِيَّاهُ، أَشْبَهَ مِنْ إِعْلَامِهِ حِفْظَهُ الْحِسَابَ، وَمَعْرِفَتَهُ بِالْأَلْسُنِ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَنْ نَشَاءُ وَلَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَهَكَذَا وَطَّأْنَا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ يَعْنِي أَرْضَ مِصْرَ {يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ}، يَقُولُ: يَتَّخِذُ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ مَنْـزِلًا حَيْثُ يَشَاءُ، بَعْدَ الْحَبْسِ وَالضِّيقِ {نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَنْ نَشَاءُ}، مِنْ خَلْقِنَا، كَمَا أَصَبْنَا يُوسُفَ بِهَا، فَمَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ بَعْدَ الْعُبُودَةِ وَالْإِسَارِ، وَبَعْدَ الْإِلْقَاءِ فِي الْجُبِّ {وَلَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ}، يَقُولُ: وَلَا نُبْطِلُ جَزَاءَ عَمَلِ مَنْ أَحْسَنَ فَأَطَاعَ رَبَّهُ، وَعَمِلَ بِمَا أَمَرَهُ، وَانْتَهَى عَمَّا نَهَاهُ عَنْهُ، كَمَا لَمْ نُبْطِلْ جَزَاءَ عَمَلِ يُوسُفَ إِذْ أَحْسَنَ فَأَطَاعَ اللَّهَ. وَكَانَ تَمْكِينُ اللَّهِ لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ كَمَا:- حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ قَالَ: لَمَّا قَالَ يُوسُفُ لِلْمَلِكِ: {اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ} قَالَ الْمَلِكُ: قَدْ فَعَلْتُ! فَوَلَّاهُ فِيمَا يَذْكُرُونَ عَمَلَ إِطْفِيرَ وَعَزَلَ إِطْفِيرَ عَمَّا كَانَ عَلَيْهِ، يَقُولُ اللَّهُ: {وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ} الْآيَةَ. قَالَ: فَذُكِرَ لِي، وَاللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ إِطْفِيرَ هَلَكَ فِي تِلْكَ اللَّيَالِي، وَأَنَّ الْمَلِكَ الرَّيَّانَ بْنَ الْوَلِيدِ، زَوَّجَ يُوسُفَ امْرَأَةَ إِطْفِيرَ رَاعِيلَ، وَأَنَّهَا حِينَ دَخَلَتْ عَلَيْهِ قَالَ: أَلَيْسَ هَذَا خَيْرًا مِمَّا كُنْتِ تُرِيدِينَ؟ قَالَ: فَيَزْعُمُونَ أَنَّهَا قَالَتْ: أَيُّهَا الصَّدِيقُ، لَا تَلُمْنِي، فَإِنِّي كُنْتُ امْرَأَةً كَمَا تَرَى حُسْنًا وَجَمَالًا نَاعِمَةً فِي مُلْكٍ وَدُنْيَا، وَكَانَ صَاحِبِي لَا يَأْتِي النِّسَاءَ، وَكُنْتَ كَمَا جَعَلَكَ اللَّهُ فِي حُسْنِكَ وَهَيْئَتِكَ، فَغَلَبَتْنِي نَفْسِي عَلَى مَا رَأَيْتَ. فَيَزْعُمُونَ أَنَّهُ وَجَدَهَا عَذْرَاءَ، فَأَصَابَهَا، فَوَلَدَتْ لَهُ رَجُلَيْنِ: أَفْرَائِيمَ بْنَ يُوسُفَ، وَمِيشَا بْنَ يُوسُفَ. حَدَّثَنِي ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرٌو، عَنْ أَسْبَاطَ، عَنِ السُّدِّيِّ {وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ} قَالَ: اسْتَعْمَلَهُ الْمَلِكُ عَلَى مِصْرَ، وَكَانَ صَاحِبَ أَمْرِهَا، وَكَانَ يَلِي الْبَيْعَ وَالتِّجَارَةَ وَأَمْرَهَا كُلَّهُ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ: {وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ}. حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: {يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ} قَالَ: مَلَّكْنَاهُ فِيمَا يَكُونُ فِيهَا حَيْثُ يَشَاءُ مِنْ تِلْكَ الدُّنْيَا، يَصْنَعُ فِيهَا مَا يَشَاءُ، فَوَّضْتُ إِلَيْهِ. قَالَ: وَلَوْ شَاءَ أَنْ يَجْعَلَ فِرْعَوْنَ مِنْ تَحْتِ يَدَيْهِ، وَيَجْعَلُهُ فَوْقَهُ لَفَعَلَ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرٌو قَالَ: أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الْكُوفِيِّ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: أَسْلَمَ الْمَلِكُ الَّذِي كَانَ مَعَهُ يُوسُفُ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَلَثَوَابُ اللَّهِ فِي الْآخِرَةِ {خَيْرٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا} يَقُولُ: لِلَّذِينِ صَدَّقُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ، مِمَّا أَعْطَى يُوسُفَ فِي الدُّنْيَا مِنْ تَمْكِينِهِ لَهُ فِي أَرْضِ مِصْرَ {وَكَانُوا يَتَّقُونَ}، يَقُولُ: وَكَانُوا يَتَّقُونَ اللَّهَ، فَيَخَافُونَ عِقَابَهُ فِي خِلَافِ أَمْرِهِ وَاسْتِحْلَالِ مَحَارِمِهِ، فَيُطِيعُونَهُ فِي أَمْرِهِ وَنَهْيِهِ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَجَاءَ إِخْوَةُ يُوسُفَ فَدَخَلُوا عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: {وَجَاءَ إِخْوَةُ يُوسُفَ فَدَخَلُوا عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ}، يُوسُفُ، (وَهُمْ) لِيُوسُفَ (مُنْكِرُونَ) لَا يَعْرِفُونَهُ. وَكَانَ سَبَبُ مَجِيئِهِمْ يُوسُفَ، فِيمَا ذُكِرَ لِي، كَمَا:- حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: لَمَّا اطْمَأَنَّ يُوسُفُ فِي مُلْكِهِ، وَخَرَجَ مِنَ الْبَلَاءِ الَّذِي كَانَ فِيهِ، وَخَلَتِ السُّنُونَ الْمُخْصِبَةُ الَّتِي كَانَ أَمَرَهُمْ بِالْإِعْدَادِ فِيهَا لِلسِّنِينَ الَّتِي أَخْبَرَهُمْ بِهَا أَنَّهَا كَائِنَةٌ، جُهِدَ النَّاسُ فِي كُلِّ وَجْهٍ، وَضَرَبُوا إِلَى مِصْرَ يَلْتَمِسُونَ بِهَا الْمِيرَةَ مِنْ كُلِّ بَلْدَةٍ. وَكَانَ يُوسُفُ حِينَ رَأَى مَا أَصَابَ النَّاسَ مِنَ الْجُهْدِ، قَدْ آسَى بَيْنَهُمْ، وَكَانَ لَا يَحْمِلُ لِلرَّجُلِ إِلَّا بَعِيرًا وَاحِدًا، وَلَا يَحْمِلُ لِلرَّجُلِ الْوَاحِدِ بَعِيرَيْنِ، تَقْسِيطًا بَيْنَ النَّاسِ، وَتَوْسِيعًا عَلَيْهِمْ، فَقَدِمَ إِخْوَتُهُ فِيمَنْ قَدِمَ عَلَيْهِ مِنَ النَّاسِ، يَلْتَمِسُونَ الْمِيرَةَ مِنْ مِصْرَ، فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ، لِمَا أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَبْلُغَ لِيُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِيمَا أَرَادَ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرٌو، عَنْ أَسْبَاطَ، عَنِ السُّدِّيِّ، قَالَ: أَصَابَ النَّاسَ الْجُوعُ، حَتَّى أَصَابَ بِلَادَ يَعْقُوبَ الَّتِي هُوَ بِهَا، فَبَعَثَ بَنِيهِ إِلَى مِصْرَ، وَأَمْسَكَ أَخَا يُوسُفَ بِنْيَامِينَ؛ فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَى يُوسُفَ عَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ؛ فَلَمَّا نَظَرَ إِلَيْهِمْ، قَالَ: أَخْبِرُونِي مَا أَمْرُكُمْ، فَإِنِّي أُنْكِرُ شَأْنَكُمْ! قَالُوا: نَحْنُ قَوْمٌ مِنْ أَرْضِ الشَّأْمِ. قَالَ: فَمَا جَاءَ بِكُمْ قَالُوا: جِئْنَا نَمْتَارُ طَعَامًا. قَالَ: كَذَّبْتُمْ، أَنْتُمْ عُيُونٌ، كَمْ أَنْتُمْ؟ قَالُوا: عَشْرَةٌ. قَالَ: أَنْتُمْ عَشَرَةُ آلَافٍ، كُلُّ رَجُلٍ مِنْكُمْ أَمِيرُ أَلْفٍ، فَأَخْبِرُونِي خَبَرَكُمْ. قَالُوا: إِنَّا إِخْوَةٌ بَنُو رَجُلٍ صِدِّيقٍ، وَإِنَّا كُنَّا اثَّنَي عَشَرَ، وَكَانَ أَبُونَا يُحِبُّ أَخًا لَنَا، وَإِنَّهُ ذَهَبَ مَعَنَا الْبَرِّيَّةَ فَهَلَكَ مِنَّا فِيهَا، وَكَانَ أَحَبَّنَا إِلَى أَبِينَا. قَالَ: فَإِلَى مَنْ سَكَنَ أَبُوكُمْ بَعْدَهُ؟ قَالُوا: إِلَى أَخٍ لَنَا أَصْغَرَ مِنْهُ. قَالَ: فَكَيْفَ تُخْبِرُونِي أَنَّ أَبَاكُمْ صِدِّيقٌ، وَهُوَ يُحِبُّ الصَّغِيرَ مِنْكُمْ دُونَ الْكَبِيرِ؟ ائْتُونِي بِأَخِيكُمْ هَذَا حَتَّى أَنْظُرَ إِلَيْهِ {فَإِنْ لَمْ تَأْتُونِي بِهِ فَلَا كَيْلَ لَكُمْ عِنْدِي وَلَا تَقْرَبُونِ قَالُوا سَنُرَاوِدُ عَنْهُ أَبَاهُ وَإِنَّا لَفَاعِلُونَ}، قَالَ: فَضَعُوا بَعْضَكُمْ رَهِينَةً حَتَّى تَرْجِعُوا. فَوَضَعُوا شَمْعُونَ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مُعَمِّرٍ، عَنْ قَتَادَةَ: {وَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ} قَالَ: لَا يَعْرِفُونَهُ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ قَالَ ائْتُونِي بِأَخٍ لَكُمْ مِنْ أَبِيكُمْأَلَا تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ وَأَنَا خَيْرُ الْمُنـزلِينَ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَقُولُ: وَلَمَّا حَمَلَ يُوسُفُ لِإِخْوَتِهِ أَبَاعِرَهُمْ مِنَ الطَّعَامِ، فَأَوْقِرَ لِكُلِّ رَجُلٍ مِنْهُمْ بَعِيرَهُ، قَالَ لَهُمْ: {ائْتُونِي بِأَخٍ لَكُمْ مِنْ أَبِيكُمْ} كَيْمَا أَحْمِلَ لَكُمْ بَعِيرًا آخَرَ، فَتَزْدَادُوا بِهِ حِمْلَ بَعِيرٍ آخَرَ، {أَلَا تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ}، فَلَا أَبْخَسُهُ أَحَدًا {وَأَنَا خَيْرُ الْمُنْـزِلِينَ}، وَأَنَا خَيْرُ مَنْ أَنْـزَلَ ضَيْفًا عَلَى نَفْسِهِ مِنَ النَّاسِ بِهَذِهِ الْبَلْدَةِ، فَأَنَا أَضِيفُكُمْ. كَمَا: حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: {وَأَنَا خَيْرُ الْمُنْـزِلِينَ}، يُوسُفُ يَقُولُهُ: أَنَا خَيْرُ مَنْ يُضِيفُ بِمِصْرَ. حَدَّثَنِي ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: لَمَّا جَهَّزَ يُوسُفُ فِيمَنْ جَهَّزَ مِنَ النَّاسِ، حَمَلَ لِكُلِّ رَجُلٍ مِنْهُمْ بَعِيرًا بِعِدَّتِهِمْ، ثُمَّ قَالَ لَهُمْ: {ائْتُونِي بِأَخٍ لَكُمْ مِنْ أَبِيكُمْ}، أَجْعَلَُ لَكُمْ بَعِيرًا آخَرَ، أَوْ كَمَا قَالَ {أَلَا تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ}، أَيْ: لَا أَبْخَسُ النَّاسَ شَيْئًا {وَأَنَا خَيْرُ الْمُنْـزِلِينَ}:، أَيْ خَيْرٌ لَكُمْ مِنْ غَيْرِي، فَإِنَّكُمْ إِنْ أَتَيْتُمْ بِهِ أَكْرَمْتُ مَنْـزِلَتَكُمْ وَأَحْسَنْتُ إِلَيْكُمْ، وَازْدَدْتُمْ بِهِ بَعِيرًا مَعَ عِدَّتِكُمْ، فَإِنِّي لَا أُعْطِي كُلَّ رَجُلٍ مِنْكُمْ إِلَّا بَعِيرًا {فَإِنْ لَمْ تَأْتُونِي بِهِ فَلَا كَيْلَ لَكُمْ عِنْدِي وَلَا تَقْرَبُونِ}، لَا تَقْرَبُوا بَلَدِي. حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: {ائْتُونِي بِأَخٍ لَكُمْ مِنْ أَبِيكُمْ}، يَعْنِي بِنْيَامِينَ، وَهُوَ أَخُو يُوسُفَ لِأَبِيهِ وَأُمِّهِ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِنْ لَمْ تَأْتُونِي بِهِ فَلَا كَيْلَ لَكُمْ عِنْدِي وَلَا تَقْرَبُونِ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ مُخْبِرًا عَنْ قِيلِ يُوسُفَ لِإِخْوَتِهِ: {فَإِنْ لَمْ تَأْتُونِي بِهِ} بِأَخِيكُمْ مِنْ أَبِيكُمْ {فَلَا كَيْلَ لَكُمْ عِنْدِي}، يَقُولُ: فَلَيْسَ لَكُمْ عِنْدِي طَعَامٌ أَكِيلُهُ لَكُمْ (وَلَا تَقْرَبُونِ)، يَقُولُ: وَلَا تَقْرَبُوا بِلَادِي. وَقَوْلُهُ: (وَلَا تَقْرَبُونِ)، فِي مَوْضِعِ جَزْمٍ بِالنَّهْيِ، وَ“ النُّونُ “ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ، وَكُسِرَتْ لَمَّا حُذِفَتْ يَاؤُهَا، وَالْكَلَامُ: وَلَا تَقْرَبُونِي.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {قَالُوا سَنُرَاوِدُ عَنْهُ أَبَاهُ وَإِنَّا لَفَاعِلُونَ وَقَالَ لِفِتْيَانِهِ اجْعَلُوا بِضَاعَتَهُمْ فِي رِحَالِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَعْرِفُونَهَا إِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: قَالَ إِخْوَةُ يُوسُفَ لِيُوسُفَ إِذْ قَالَ لَهُمْ: {ائْتُونِي بِأَخٍ لَكُمْ مِنْ أَبِيكُمْ}: {قَالُوا سَنُرَاوِدُ عَنْهُ أَبَاهُ}، وَنَسْأَلُهُ أَنْ يُخَلِّيَهُ مَعَنَا حَتَّى نَجِيءَ بِهِ إِلَيْكَ {وَإِنَّا لَفَاعِلُونَ} يَعْنُونَ بِذَلِكَ: وَإِنَّا لَفَاعِلُونَ مَا قُلْنَا لَكَ إِنَّا نَفْعَلُهُ مِنْ مُرَاوَدَةِ أَبِينَا عَنْ أَخِينَا مِنْهُ وَلَنَجْتَهِدَنَّ كَمَا:- حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ: {وَإِنَّا لَفَاعِلُونَ}، لَنَجْتَهِدَنَّ. وَقَوْلُهُ: {وَقَالَ لِفِتْيَانِهِ اجْعَلُوا بِضَاعَتَهُمْ فِي رِحَالِهِمْ}، يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَقَالَ يُوسُفُ “ لِفِتْيَانِهِ “، وَهُمْ غِلْمَانُهُ، كَمَا:- حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: {وَقَالَ لِفِتْيَانِهِ}، أَيْ: لِغِلْمَانِهِ. {اجْعَلُوا بِضَاعَتَهُمْ فِي رِحَالِهِمْ}، يَقُولُ: اجْعَلُوا أَثْمَانَ الطَّعَامِ الَّتِي أَخَذْتُمُوهَا مِنْهُمْ “ فِي رِحَالِهِمْ “. وَ“ الرَّحَّالُ “، جَمْعُ “ رَحْلٍ “، وَذَلِكَ جَمْعُ الْكَثِيرِ، فَأَمَّا الْقَلِيلُ مِنَ الْجَمْعِ مِنْهُ فَهُوَ: “ أَرْحُلٌ “، وَذَلِكَ جَمْعُ مَا بَيْنَ الثَّلَاثَةِ إِلَى الْعَشْرَةِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي مَعْنَى “ الْبِضَاعَةِ “، قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ، قَالَ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: {اجْعَلُوا بِضَاعَتَهُمْ فِي رِحَالِهِمْ}: أَيْ: أَوْرَاقُهُمْ حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: ثُمَّ أَمَرَ بِبِضَاعَتِهِمْ الَّتِي أَعْطَاهُمْ بِهَا مَا أَعْطَاهُمْ مِنَ الطَّعَامِ، فَجُعِلَتْ فِي رِحَالِهِمْ وَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرٌو، عَنْ أَسْبَاطَ، عَنِ السُّدِّيِّ قَالَ: وَقَالَ لِفِتْيَتِهِ وَهُوَ يَكِيلُ لَهُمْ: “ {اجْعَلُوا بِضَاعَتَهُمْ فِي رِحَالِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَعْرِفُونَهَا إِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} “ إِلَيَّ. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: وَلِأَيَّةِ عِلَّةٍ أَمَرَ يُوسُفُ فِتْيَانَهُ أَنْ يَجْعَلُوا بِضَاعَةَ إِخْوَتِهِ فِي رِحَالِهِمْ؟ قِيلَ: يَحْتَمِلُ ذَلِكَ أَوْجُهًا: أَحَدُهَا: أَنْ يَكُونَ خَشِيَ أَنْ لَا يَكُونَ عِنْدَ أَبِيهِ دَرَاهِمُ، إِذْ كَانَتِ السَّنَةُ سَنَةَ جَدْبٍ وَقَحْطٍ، فَيُضِرُّ أَخْذُ ذَلِكَ مِنْهُمْ بِهِ، وَأَحَبَّ أَنْ يَرْجِعَ إِلَيْهِ. أَوْ: أَرَادَ أَنْ يَتَّسِعَ بِهَا أَبُوهُ وَإِخْوَتُهُ، مَعَ [قِلَّةِ] حَاجَتِهِمْ إِلَيْهِ، فَرَدَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ سَبَبَ رَدِّهِ، تَكَرُّمًا وَتَفَضُّلًا. وَالثَّالِثُ: وَهُوَ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ بِذَلِكَ أَنْ لَا يُخْلِفُوهُ الْوَعْدَ فِي الرُّجُوعِ، إِذَا وَجَدُوا فِي رِحَالِهِمْ ثَمَنَ طَعَامٍ قَدْ قَبَضُوهُ وَمَلَكَهُ عَلَيْهِمْ غَيْرُهُمْ، عِوَضًا مِنْ طَعَامِهِ، وَيَتَحَرَّجُوا مِنْ إِمْسَاكِهِمْ ثَمَنَ طَعَامٍ قَدْ قَبَضُوهُ حَتَّى يُؤَدُّوهُ عَلَى صَاحِبِهِ، فَيَكُونُ ذَلِكَ أَدْعَى لَهُمْ إِلَى الْعَوْدِ إِلَيْهِ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَلَمَّا رَجَعُوا إِلَى أَبِيهِمْ قَالُوا يَا أَبَانَا مُنِعَ مِنَّا الْكَيْلُ فَأَرْسِلْ مَعَنَا أَخَانَا نَكْتَلْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَلَمَّا رَجَعَ إِخْوَةُ يُوسُفَ إِلَى أَبِيهِمْ {قَالُوا يَا أَبَانَا مُنِعَ مِنَّا الْكَيْلُ فَأَرْسِلْ مَعَنَا أَخَانَا نَكْتَلْ}، يَقُولُ: مُنِعَ مِنَّا الْكَيْلُ فَوْقَ الْكَيْلِ الَّذِي كِيلَ لَنَا، وَلَمْ يَكِلْ لِكُلِّ رَجُلٍ مِنَّا إِلَّا كَيْلَ بَعِيرٍ- {فَأَرْسِلْ مَعَنَا أَخَانَا}، بِنْيَامِينَ يَكْتَلْ لِنَفْسِهِ كَيْلَ بَعِيرٍ آخَرَ زِيَادَةً عَلَى كَيْلِ أَبَاعِرِنَا {وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}، مِنْ أَنْ يَنَالَهُ مَكْرُوهٌ فِي سَفَرِهِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرٌو، عَنْ أَسْبَاطَ، عَنِ السُّدِّيِّ: فَلَمَّا رَجَعُوا إِلَى أَبِيهِمْ قَالُوا: يَا أَبَانَا إِنَّ مَلِكَ مِصْرَ أَكْرَمَنَا كَرَامَةً مَا لَوْ كَانَ رَجُلٌ مِنْ وَلَدِ يَعْقُوبَ مَا أَكْرَمَنَا كَرَامَتَهُ، وَإِنَّهُ ارْتَهَنَ شَمْعُونَ، وَقَالَ: ائْتُونِي بِأَخِيكُمْ هَذَا الَّذِي عَكَفَ عَلَيْهِ أَبُوكُمْ بَعْدَ أَخِيكُمْ الَّذِي هَلَكَ، فَإِنْ لَمْ تَأْتُونِي بِهِ فَلَا تَقْرَبُوا بِلَادِي. قَالَ يَعْقُوبُ: {هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلَّا كَمَا أَمِنْتُكُمْ عَلَى أَخِيهِ مِنْ قَبْلُ فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ}؟ قَالَ: فَقَالَ لَهُمْ يَعْقُوبُ: إِذَا أَتَيْتُمْ مَلِكَ مِصْرَ فَأَقْرِءُوهُ مِنِّي السَّلَامَ، وَقُولُوا: إِنَّ أَبَانَا يُصَلِّي عَلَيْكَ، وَيَدْعُو لَكَ بِمَا أَوْلَيْتَنَا. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ قَالَ: خَرَجُوا حَتَّى قَدِمُوا عَلَى أَبِيهِمْ، وَكَانَ مَنْـزِلُهُمْ، فِيمَا ذَكَرَ لِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْعَرَبَاتِ مِنْ أَرْضِ فِلَسْطِينَ بِغَوْرِ الشَّأْمِ وَبَعْضٌ يَقُولُ: بِالْأَوْلَاجِ مِنْ نَاحِيَةِ الشِّعْبِ، أَسْفَلَ مِنْ حِسْمَى وَكَانَ صَاحِبَ بَادِيَةٍ لَهُ شَاءٌ وَإِبِلٌ، فَقَالُوا: يَا أَبَانَا، قَدِمْنَا عَلَى خَيْرِ رَجُلٍ، أَنْـزَلَنَا فَأَكْرَمَ مَنْـزِلَنَا، وَكَالَ لَنَا فَأَوْفَانَا وَلَمْ يَبْخَسْنَا، وَقَدْ أَمَرَنَا أَنْ نَأْتِيَهِ بِأَخٍ لَنَا مِنْ أَبِينَا، وَقَالَ: إِنْ أَنْتُمْ لَمْ تَفْعَلُوا، فَلَا تَقْرُبُنِّي وَلَا تَدْخُلُنَّ بَلَدِي. فَقَالَ لَهُمْ يَعْقُوبُ: {هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلَّا كَمَا أَمِنْتُكُمْ عَلَى أَخِيهِ مِنْ قَبْلُ فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ}؟ وَاخْتَلَفَتِ الْقَرَأَةُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ: (نَكْتَلْ). فَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّةُ قَرَأَةِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، وَبَعْضُ أَهْلِ مَكَّةَ وَالْكُوفَةِ (نَكْتَلْ)، بِالنُّونِ، بِمَعْنَى: نَكْتَلْ نَحْنُ وَهُوَ. وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّةُ قَرَأَةِ أَهْلِ الْكُوفَةِ: “ يَكْتَلْ “ بِالْيَاء؛ بِمَعْنَى يَكْتَلْ هُوَ لِنَفْسِهِ، كَمَا نَكْتَالُ لِأَنْفُسِنَا. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ أَنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مَعْرُوفَتَانِ مُتَّفِقَتَا الْمَعْنَى، فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئُ فَمُصِيبٌ الصَّوَابَ. وَذَلِكَ أَنَّهُمْ إِنَّمَا أَخْبَرُوا أَبَاهُمْ أَنَّهُ مُنِعَ مِنْهُمْ زِيَادَةُ الْكَيْلِ عَلَى عَدَدِ رُءُوسِهِمْ، فَقَالُوا: {يَا أَبَانَا مُنِعَ مِنَّا الْكَيْلُ} ثُمَّ سَأَلُوهُ أَنْ يُرْسِلَ مَعَهُمْ أَخَاهُمْ لِيَكْتَالَ لِنَفْسِهِ، فَهُوَ إِذَا اكْتَالَ لِنَفْسِهِ وَاكْتَالُوا هُمْ لِأَنْفُسِهِمْ، فَقَدْ دَخَلَ “ الْأَخُ “ فِي عَدَدِهِمْ. فَسَوَاءٌ كَانَ الْخَبَرُ بِذَلِكَ عَنْ خَاصَّةِ نَفْسِهِ، أَوْ عَنْ جَمِيعِهِمْ بِلَفْظِ الْجَمِيعِ، إِذْ كَانَ مَفْهُومًا مَعْنَى الْكَلَامِ وَمَا أُرِيدَ بِهِ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {قَالَ هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلَّا كَمَا أَمِنْتُكُمْ عَلَى أَخِيهِ مِنْ قَبْلُفَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: قَالَ أَبُوهُمْ يَعْقُوبُ: هَلْ آمَنُكُمْ عَلَى أَخِيكُمْ مِنْ أَبِيكُمُ الَّذِي تَسْأَلُونِي أَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ إِلَّا كَمَا أَمِنْتُكُمْ عَلَى أَخِيهِ يُوسُفَ مِنْ قَبْلُ؟ يَقُولُ: مِنْ قَبْلِهِ. وَاخْتَلَفَتِ الْقَرَأَةُ فِي قِرَاءَةُ قَوْلِهِ: {فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًا}. فَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّةُ قَرَأَةِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَبَعْضُ الْكُوفِيِّينَ وَالْبَصْرِيِّينَ: (فَاللَّهُ خَيْرٌ حفِظًا)، بِمَعْنَى: وَاللَّهُ خَيْرُكُمْ حِفْظًا. وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّةُ قَرَأَةِ الْكُوفِيِّينَ وَبَعْضُ أَهْلِ مَكَّةَ: {فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًا} بِالْأَلْفِ عَلَى تَوْجِيهِ “ الْحَافِظِ “ إِلَى أَنَّهُ تَفْسِيرٌ لِلْخَيْرِ، كَمَا يُقَالُ: “ هُوَ خَيْرٌ رَجُلًا “، وَالْمَعْنَى: فَاللَّهُ خَيْرُكُمْ حَافِظًا، ثُمَّ حُذِفَتِ “ الْكَافُ وَالْمِيمُ “. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ أَنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مَشْهُورَتَانِ مُتَقَارِبَتَا الْمَعْنَى قَدْ قَرَأَ بِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا أَهْلُ عِلْمٍ بِالْقُرْآنِ، فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئُ فَمُصِيبٌ. وَذَلِكَ أَنَّ مَنْ وَصَفَ اللَّهَ بِأَنَّهُ خَيْرُهُمْ حِفْظًا فَقَدْ وَصَفَهُ بِأَنَّهُ خَيْرُهُمْ حَافِظًا، وَمَنْ وَصَفَهُ بِأَنَّهُ خَيْرُهُمْ حَافِظًا، فَقَدْ وَصَفَهُ بِأَنَّهُ خَيْرُهُمْ حِفْظًا {وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ}، يَقُولُ: وَاللَّهُ أَرْحَمُ رَاحِمٍ بِخَلْقِهِ، يَرْحَمُ ضَعْفِي عَلَى كِبَرِ سِنِّي، وَوَحْدَتِي بِفَقْدِ وَلَدِي، فَلَا يُضَيِّعُهُ، وَلَكِنَّهُ يَحْفَظُهُ حَتَّى يَرُدَّهُ عَلَيَّ لِرَحْمَتِهِ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَمَّا فَتَحُوا مَتَاعَهُمْ وَجَدُوا بِضَاعَتَهُمْ رُدَّتْ إِلَيْهِمْقَالُوا يَا أَبَانَا مَا نَبْغِي هَذِهِ بِضَاعَتُنَا رُدَّتْ إِلَيْنَا وَنَمِيرُ أَهْلَنَا وَنَحْفَظُ أَخَانَا وَنَـزْدَادُ كَيْلَ بَعِيرٍ ذَلِكَ كَيْلٌ يَسِيرٌ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَلَمَّا فَتَحَ إِخْوَةُ يُوسُفَ مَتَاعَهُمُ الَّذِي حَمَلُوهُ مِنْ مِصْرَ مِنْ عِنْدِ يُوسُفَ {وَجَدُوا بِضَاعَتَهُمْ}، وَذَلِكَ ثَمَنُ الطَّعَامِ الَّذِي اكْتَالُوهُ مِنْهُ رُدَّتْ إِلَيْهِمْ، {قَالُوا يَا أَبَانَا مَا نَبْغِي هَذِهِ بِضَاعَتُنَا رُدَّتْ إِلَيْنَا} يَعْنِي أَنَّهُمْ قَالُوا لِأَبِيهِمْ: مَاذَا نَبْغِي؟ هَذِهِ بِضَاعَتُنَا رُدَّتْ إِلَيْنَا! تَطْيِيبًا مِنْهُمْ لِنَفْسِهِ بِمَا صُنِعَ بِهِمْ فِي رَدِّ بِضَاعَتِهِمْ إِلَيْهِمْ. وَإِذَا وُجِّهَ الْكَلَامُ إِلَى هَذَا الْمَعْنَى، كَانَتْ “ مَا “ اسْتِفْهَامًا فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ بِقَوْلِهِ: (نَبْغِي). وَإِلَى هَذَا التَّأْوِيلِ كَانَ يُوَجِّهُهُ قَتَادَةُ. حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: {مَا نَبْغِي} يَقُولُ: مَا نَبْغِي وَرَاءَ هَذَا، إِنَّ بِضَاعَتَنَا رُدَّتْ إِلَيْنَا، وَقَدْ أُوفِيَ لَنَا الْكَيْلُ. وَقَوْلُهُ: {وَنَمِيرُ أَهْلَنَا}، يَقُولُ: وَنَطْلُبُ لِأَهْلِنَا طَعَامًا فَنَشْتَرِيهِ لَهُمْ. يُقَالُ مِنْهُ: “ مَارَ فُلَانٌ أهلَهَ يَمِيرُهُمْ مَيْرًا “، وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ: بَعَثْتُـكَ مَـائِرًا فَمَكَـثْتَ حَـوْلًا *** مَتَـى يَـأْتِي غِيَـاثُكَ مَـنْ تُغِيـثُ {وَنَحْفَظُ أَخَانَا}، الَّذِي تُرْسِلُهُ مَعَنَا {وَنَـزْدَادُ كَيْلَ بَعِيرٍ}، يَقُولُ: وَنَـزْدَادُ عَلَى أَحْمَالِنَا [مِنَ] الطَّعَامِ حِمْلَ بَعِيرٍ يُكَالُ لَنَا مَا حَمَلَ بَعِيرٌ آخَرُ مِنْ إِبِلِنَا {ذَلِكَ كَيْلٌ يَسِيرٌ}، يَقُولُ: هَذَا حِمْلٌ يَسِيرٌ. كَمَا:- حَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ: {وَنَـزْدَادُ كَيْلَ بَعِيرٍ} قَالَ: كَانَ لِكُلِّ رَجُلٍ مِنْهُمْ حِمْلُ بِعِيرٍ، فَقَالُوا: أَرْسِلْ مَعَنَا أَخَانَا نَـزْدَادُ حِمْلَ بِعِيرٍ وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: قَالَ مُجَاهِدٌ: {كَيْلَ بَعِيرٍ} حِمْلَ حِمَارٍ. قَالَ: وَهِيَ لُغَةٌ قَالَ الْقَاسِمُ: يَعْنِي مُجَاهِدٌ: أَنَّ “ الْحِمَارَ “ يُقَالُ لَهُ فِي بَعْضِ اللُّغَاتِ: “ بَعِيرٌ “. حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَوْلُهُ: {وَنَـزْدَادُ كَيْلَ بَعِيرٍ}، يَقُولُ: حِمْلَ بَعِيرٍ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ: {وَنَـزْدَادُ كَيْلَ بَعِيرٍ} نَعُدُّ بِهِ بَعِيرًا مَعَ إِبِلِنَا {ذَلِكَ كَيْلٌ يَسِيرٌ}.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {قَالَ لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حَتَّى تُؤْتُونِ مَوْثِقًا مِنَ اللَّهِ لَتَأْتُنَّنِي بِهِ إِلَّا أَنْ يُحَاطَ بِكُمْفَلَمَّا آتَوْهُ مَوْثِقَهُمْ قَالَ اللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: قَالَ يَعْقُوبُ لِبَنِيهِ: لَنْ أُرْسِلَ أَخَاكُمْ مَعَكُمْ إِلَى مَلِكِ مِصْرَ {حَتَّى تُؤْتُونِ مَوْثِقًا مِنَ اللَّهِ}، يَقُولُ: حَتَّى تُعْطُونِ مَوْثِقًا مِنَ اللَّهِ بِمَعْنَى “ الْمِيثَاقِ “، وَهُوَ مَا يُوثَقُ بِهِ مِنْ يَمِينٍ وَعَهْدٍ {لَتَأْتُنَّنِي بِهِ} يَقُولُ لِتَأْتُنَّنِي بِأَخِيكُمْ {إِلَّا أَنْ يُحَاطَ بِكُمْ}، يَقُولُ: إِلَّا أَنْ يُحِيطَ بِجَمِيعِكُمْ مَا لَا تَقْدِرُونَ مَعَهُ عَلَى أَنْ تَأْتُونِي بِهِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ، حَدَّثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: {فَلَمَّا آتَوْهُ مَوْثِقَهُمْ}، قَالَ: عَهْدَهُمْ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ، عَنْ وَرْقَاءَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ مِثْلَهُ. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا شَبَّابَةُ، قَالَ: حَدَّثَنَا وَرْقَاءُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَوْلُهُ: {إِلَّا أَنْ يُحَاطَ بِكُمْ}:، إِلَّا أَنْ تَهْلَكُوا جَمِيعًا. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ، حَدَّثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ، وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ، عَنْ وَرْقَاءَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُعَمِّرٌ، عَنْ قَتَادَةَ: {إِلَّا أَنْ يُحَاطَ بِكُمْ}، قَالَ: إِلَّا أَنْ تُغْلَبُوا حَتَّى لَا تُطِيقُوا ذَلِكَ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ، حَدَّثَنَا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ قَوْلُهُ: {إِلَّا أَنْ يُحَاطَ بِكُمْ}:، إِلَّا أَنْ يُصِيبَكُمْ أَمْرٌ يَذْهَبُ بِكُمْ جَمِيعًا، فَيَكُونُ ذَلِكَ عُذْرًا لَكُمْ عِنْدِي. وَقَوْلُهُ: {فَلَمَّا آتَوْهُ مَوْثِقَهُمْ}، يَقُولُ: فَلَمَّا أَعْطَوْهُ عُهُودَهُمْ “ قَالَ “، يَعْقُوبُ: {اللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ}، أَنَا وَأَنْتُمْ (وَكِيلٌ)، يَقُولُ: هُوَ شَهِيدٌ عَلَيْنَا بِالْوَفَاءِ بِمَا نَقُولُ جَمِيعًا.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَقَالَ يَا بَنِيَّ لَا تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُتَفَرِّقَةٍوَمَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: قَالَ يَعْقُوبُ لِبَنِيهِ لَمَّا أَرَادُوا الْخُرُوجَ مِنْ عِنْدِهِ إِلَى مِصْرَ لِيَمْتَارُوا الطَّعَامَ: يَا بَنِيَّ لَا تَدْخُلُوا مِصْرَ مِنْ طَرِيقٍ وَاحِدٍ، وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُتَفَرِّقَةٍ. وَذُكِرَ أَنَّهُ قَالَ ذَلِكَ لَهُمْ، لِأَنَّهُمْ كَانُوا رِجَالًا لَهُمْ جَمَالٌ وَهَيْأَةٌ، فَخَافَ عَلَيْهِمُ الْعَيْنَ إِذَا دَخَلُوا جَمَاعَةً مِنْ طَرِيقٍ وَاحِدٍ، وَهُمْ وَلَدُ رَجُلٍ وَاحِدٍ، فَأَمَرَهُمْ أَنْ يَفْتَرِقُوا فِي الدُّخُولِ إِلَيْهَا. كَمَا:- حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ الْوَاسِطِيُّ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَاكِ: {لَا تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُتَفَرِّقَةٍ}، قَالَ: خَافَ عَلَيْهِمُ الْعَيْنَ. حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَوْلُهُ: {يَا بَنِيَّ لَا تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ} خَشِيَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعَيْنَ عَلَى بَنِيهِ، كَانُوا ذَوِي صُورَةٍ وَجَمَالٍ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مُعَمِّرٍ، عَنْ قَتَادَةَ: {وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُتَفَرِّقَةٍ}، قَالَ: كَانُوا قَدْ أُوتُوا صُورَةً وَجَمَالًا فَخَشِيَ عَلَيْهِمْ أَنْفُسَ النَّاسِ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: حَدَّثَنِي عَمِّي قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: {وَقَالَ يَا بَنِيَّ لَا تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُتَفَرِّقَةٍ}، قَالَ: رَهِبَ يَعْقُوبُ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَلَيْهِمُ الْعَيْنَ. حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَرَجِ قَالَ، سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ قَالَ، أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ، سَمِعْتُ الضَّحَاكَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: {لَا تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ}، خَشِيَ يَعْقُوبُ عَلَى وَلَدِهِ الْعَيْنَ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ، حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ الْحَبَّابِ، عَنْ أَبِي مَعْشَرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ: {لَا تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ}، قَالَ: خَشِيَ عَلَيْهِمُ الْعَيْنَ. قَالَ، حَدَّثَنَا عَمْرٌو، عَنْ أَسْبَاطَ، عَنِ السُّدِّيِّ قَالَ: خَافَ يَعْقُوبُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى بَنِيهِ الْعَيْنَ، فَقَالَ: {يَا بَنِيَّ لَا تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ}. فَيُقَالُ: هَؤُلَاءِ لِرَجُلٍ وَاحِدٍ! وَلَكِنِ ادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُتَفَرِّقَةٍ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ، حَدَّثَنَا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ قَالَ: لَمَّا أَجْمَعُوا الْخُرُوجَ يَعْنِي وَلَدَ يَعْقُوبَ قَالَ يَعْقُوبُ: {يَا بَنِيَّ لَا تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُتَفَرِّقَةٍ}، خَشِيَ عَلَيْهِمْ أَعْيُنَ النَّاسِ، لِهَيْأَتِهِمْ، وَأَنَّهُمْ لِرَجُلٍ وَاحِدٍ. وَقَوْلُهُ: {وَمَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ}، يَقُولُ: وَمَا أَقْدِرُ أَنْ أَدْفَعَ عَنْكُمْ مِنْ قَضَاءِ اللَّهِ الَّذِي قَدْ قَضَاهُ عَلَيْكُمْ مِنْ شَيْءٍ صَغِيرٍ وَلَا كَبِيرٍ، لِأَنَّ قَضَاءَهُ نَافِذٌ فِي خَلْقِِهِ {إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ}، يَقُولُ: مَا الْقَضَاءُ وَالْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ دُونَ مَا سِوَاهُ مِنَ الْأَشْيَاءِ، فَإِنَّهُ يَحْكُمُ فِي خَلْقِِِهِ بِمَا يَشَاءُ، فَيَنْفُذُ فِيهِمْ حُكْمُهُ، وَيَقْضِي فِيهِمْ، وَلَا يُرَدُّ قَضَاؤُهُ {عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ}، يَقُولُ: عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْتُ فَوَثِقْتُ بِهِ فِيكُمْ وَفِي حِفْظِكُمْ عَلَيَّ، حَتَّى يَرُدَّكُمْ إِلَيَّ وَأَنْتُمْ سَالِمُونَ مُعَافَوْنَ، لَا عَلَى دُخُولِكُمْ مِصْرَ إِذَا دَخَلْتُمُوهَا مِنْ أَبْوَابٍ مُتَفَرِّقَةٍ {وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ}، يَقُولُ: وَإِلَى اللَّهِ فَلْيُفَوِّضْ أُمُورَهُمُ الْمُفَوِّضُونَ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَمَّا دَخَلُوا مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُمْ مَا كَانَ يُغْنِي عَنْهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا حَاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضَاهَاوَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لَمَّا عَلَّمْنَاهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَلَمَّا دَخَلَ وَلَدُ يَعْقُوبَ {مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُمْ وَذَلِكَ دُخُولُهُمْ مِصْرَ مِنْ أَبْوَابٍ مُتَفَرِّقَةٍ مَا كَانَ يُغْنِي}، دُخُولُهُمْ إِيَّاهَا كَذَلِكَ (عَنْهُمْ) مِنْ قَضَاءِ اللَّهِ الَّذِي قَضَاهُ فِيهِمْ فَحَتَّمَهُ، {مِنْ شَيْءٍ إِلَّا حَاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضَاهَا}، إِلَّا أَنَّهُمْ قَضَوْا وَطَرًا لِيَعْقُوبَ بِدُخُولِهِمْ لَا مِنْ طَرِيقٍ وَاحِدٍ خَوْفًا مِنَ الْعَيْنِ عَلَيْهِمْ، فَاطْمَأَنَّتْ نَفْسُهُ أَنْ يَكُونُوا أُوتُوا مِنْ قِبَلِ ذَلِكَ أَوْ نَالَهُمْ مِنْ أَجْلِهِ مَكْرُوهٌ. كَمَا:- حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا شَبَّابَةُ قَالَ: حَدَّثَنَا وَرْقَاءُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: {إِلَّا حَاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضَاهَا}، خِيفَةَ الْعَيْنِ عَلَى بَنِيهِ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ. قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ، عَنْ وَرْقَاءَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، عَنْ وَرْقَاءَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: {إِلَّا حَاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضَاهَا}، قَالَ: خَشْيَةَ الْعَيْنِ عَلَيْهِمْ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ قَوْلُهُ: {إِلَّا حَاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضَاهَا}، قَالَ: مَا تَخَوَّفَ عَلَى بَنِيهِ مِنْ أَعْيُنِ النَّاسِ لِهَيْأَتِهِمْ وَعِدَّتِهِمْ. وَقَوْلُهُ: {وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِمَا عَلَّمْنَاهُ}، يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَإِنَّ يَعْقُوبَ لَذُو عِلْمٍ لِتَعْلِيمِنَا إِيَّاهُ. وَقِيلَ: مَعْنَاهُ وَإِنَّهُ لَذُو حِفْظٍ لِمَا اسْتَوْدَعْنَا صَدْرَهُ مِنَ الْعِلْمِ. وَاخْتُلِفَ عَنْ قَتَادَةَ فِي ذَلِكَ: فَحَدَّثْنَا بِشْرٌ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: {وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِمَا عَلَّمْنَاهُ}: أَيْ: مِمَّا عَلَّمْنَاهُ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ ابْنِ أَبِي عُرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ: {وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِمَا عَلَّمْنَاهُ}، قَالَ: إِنَّهُ لَعَامِلٌ بِمَا عَلِمَ. قَالَ الْمُثَنَّى قَالَ إِسْحَاقُ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ قَالَ سُفْيَانُ: {إِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ}، مِمَّا عَلَّمْنَاهُ. وَقَالَ: مَنْ لَا يَعْمَلُ لَا يَكُونُ عَالِمًا. {وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ}، يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: وَلَكِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ غَيْرَ يَعْقُوبَ، لَا يَعْلَمُونَ مَا يَعْلَمُهُ، لِأَنَّا حَرَمْنَاهُ ذَلِكَ فَلَمْ يَعْلَمْهُ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَمَّا دَخَلُوا عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَخَاهُقَالَ إِنِّي أَنَا أَخُوكَ فَلَا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَلَمَّا دَخَلَ وَلَدُ يَعْقُوبَ عَلَى يُوسُفَ {آوَى إِلَيْهِ أَخَاهُ}، يَقُولُ: ضَمَّ إِلَيْهِ أَخَاهُ لِأَبِيهِ وَأُمِّهِ. وَكَانَ إِيوَاؤُهُ إِيَّاهُ، كَمَا:- حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ، حَدَّثَنَا عَمْرٌو، عَنْ أَسْبَاطَ، عَنِ السُّدِّيِّ: {وَلَمَّا دَخَلُوا عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَخَاهُ}، قَالَ: عَرَفَ أَخَاهُ، فَأَنْـزَلَهُمْ مَنْـزِلًا وَأَجْرَى عَلَيْهِمُ الطَّعَامَ وَالشَّرَابَ. فَلَمَّا كَانَ اللَّيْلُ جَاءَهُمْ بِمُثُلٍ، فَقَالَ: لِيَنَمْ كُلُّ أَخَوَيْنِ مِنْكُمْ عَلَى مِثَالٍ. فَلَمَّا بَقِيَ الْغُلَامُ وَحْدَهُ، قَالَ يُوسُفُ: هَذَا يَنَامُ مَعِي عَلَى فِرَاشِي. فَبَاتَ مَعَهُ، فَجَعَلَ يُوسُفُ يَشُمُّ رِيحَهُ، وَيَضُمُّهُ إِلَيْهِ حَتَّى أَصْبَحَ، وَجَعَلَ رُوبِيلُ يَقُولُ: مَا رَأَيْنَا مِثْلَ هَذَا! أَرِيحُونَا مِنْهُ! حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ، حَدَّثَنَا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ قَالَ: لَمَّا دَخَلُوا يَعْنِي وَلَدَ يَعْقُوبَ عَلَى يُوسُفَ، قَالُوا: هَذَا أَخُونَا الَّذِي أَمَرْتَنَا أَنْ نَأْتِيَكَ بِهِ، قَدْ جِئْنَاكَ بِهِ. فَذُكِرَ لِي أَنَّهُ قَالَ لَهُمْ: قَدْ أَحْسَنْتُمْ وَأَصَبْتُمْ، وَسَتَجِدُونَ ذَلِكَ عِنْدِي أَوْ كَمَا قَالَ. ثُمَّ قَالَ: إِنِّي أَرَاكُمْ رِجَالًا وَقَدْ أَرَدْتُ أَنْ أُكْرِمَكُمْ. وَدَعَا [صَاحِبَ] ضِيَافَتِهِ. فَقَالَ: أَنْـزِلْ كُلَّ رَجُلَيْنِ عَلَى حِدَةٍ، ثُمَّ أَكْرِمْهُمَا، وَأَحْسِنْ ضِيَافَتَهُمَا. ثُمَّ قَالَ: إِنِّي أَرَى هَذَا الرَّجُلَ الَّذِي جِئْتُمْ بِهِ لَيْسَ مَعَهُ ثَانٍ، فَسَأَضُمُّهُ إِلَيَّ، فَيَكُونُ مَنْـزِلُهُ مَعِي. فَأَنْـزَلَهُمْ رَجُلَيْنِ رَجُلَيْنِ فِي مَنَازِلَ شَتَّى، وَأَنْـزَلَ أَخَاهُ مَعَهُ، فَآوَاهُ إِلَيْهِ. فَلَمَّا خَلَا بِهِ قَالَ إِنِّي أَنَا أَخُوكَ، أَنَا يُوسُفُ، فَلَا تَبْتَئِسْ بِشَيْءٍ فَعَلُوهُ بِنَا فِيمَا مَضَى، فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ أَحْسَنَ إِلَيْنَا، وَلَا تُعْلِمْهُمْ شَيْئًا مِمَّا أَعْلَمْتُكَ. يَقُولُ اللَّهُ: {وَلَمَّا دَخَلُوا عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَخَاهُ قَالَ إِنِّي أَنَا أَخُوكَ فَلَا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}. حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَوْلُهُ: {وَلَمَّا دَخَلُوا عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَخَاهُ}، ضَمَّهُ إِلَيْهِ، وَأَنْـزَلَهُ، وَهُوَ بِنْيَامِينُ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ الْكَرِيمِ قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ مَعْقِلٍ قَالَ: سَمِعْتُ وَهَبَ بْنَ مُنَبِّهٍ يَقُولُ وَسُئِلَ عَنْ قَوْلِ يُوسُفَ: {وَلَمَّا دَخَلُوا عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَخَاهُ قَالَ إِنِّي أَنَا أَخُوكَ فَلَا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}: كَيْفَ أَصَابَهُ حِينَ أَخَذَ بِالصُّوَاعِ، وَقَدْ كَانَ أَخْبَرَهُ [أَنَّهُ] أَخُوهُ، وَأَنْتُمْ تَزْعُمُونَ أَنَّهُ لَمْ يَزَلْ مُتَنَكِّرًا لَهُمْ يُكَايِدُهُمْ حَتَّى رَجَعُوا؟ فَقَالَ: إِنَّهُ لَمْ يَعْتَرِفْ لَهُ بِالنِّسْبَةِ، وَلَكِنَّهُ قَالَ: {أَنَا أَخُوكَ} مَكَانَ أَخِيكَ الْهَالِكِ {فَلَا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}، يَقُولُ: لَا يَحْزُنْكَ مَكَانُهُ. وَقَوْلُهُ: {فَلَا تَبْتَئِسْ}، يَقُولُ: فَلَا تَسْتَكِنْ وَلَا تَحْزَنْ. وَهُوَ: “ فَلَا تَفْتَعِلْ “ مِنَ “ الْبُؤْسِ “، يُقَالُ مِنْهُ: “ ابْتَأَسَ يَبْتَئِسُ ابْتِئَاسًا “. وَبِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: {فَلَا تَبْتَئِسْ}، يَقُولُ: فَلَا تَحْزَنْ وَلَا تَيْأَسْ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ الْكَرِيمِ قَالَ، حَدَّثَنِي عَبْدُ الصَّمَدِ قَالَ: سَمِعْتُ وَهَبَ بْنَ مُنَبِّهٍ يَقُولُ: {فَلَا تَبْتَئِسْ}، يَقُولُ: لَا يَحْزُنْكَ مَكَانُهُ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرٌو، عَنْ أَسْبَاطَ، عَنِ السُّدِّيِّ: {فَلَا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}، يَقُولُ: لَا تَحْزَنْ عَلَى مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: فَتَأْوِيلُ الْكَلَامِ إذًا: فَلَا تَحْزَنْ وَلَا تَسْتَكِنْ لِشَيْءٍ سَلَفَ مِنْ إِخْوَتِكَ إِلَيْكَ فِي نَفْسِكَ، وَفِي أَخِيكَ مِنْ أُمِّكَ، وَمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ قَبْلَ الْيَوْمِ بِكَ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ جَعَلَ السِّقَايَةَ فِي رَحْلِ أَخِيهِثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَقُولُ: وَلَمَّا حَمَّلَ يُوسُفُ إِبِلَ إِخْوَتِهِ مَا حَمَّلَهَا مِنَ الْمِيرَةِ وَقَضَى حَاجَتَهُمْ، كَمَا:- حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَوْلُهُ: {فَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ}، يَقُولُ: لَمَّا قَضَى لَهُمْ حَاجَتَهُمْ وَوَفَّاهُمْ كَيْلَهُمْ. وَقَوْلُهُ: {جَعَلَ السِّقَايَةَ فِي رَحْلِ أَخِيهِ}، يَقُولُ: جَعَلَ الْإِنَاءَ الَّذِي يَكِيلُ بِهِ الطَّعَامَ فِي رَحْلِ أَخِيهِ. وَ “ السِّقَايَةُ: “ هِيَ الْمَشْرَبَةُ، وَهِيَ الْإِنَاءُ الَّذِي كَانَ يَشْرَبُ فِيهِ الْمَلِكُ وَيَكِيلُ بِهِ الطَّعَامَ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ، حَدَّثَنَا عَفَّانُ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ الْحَسَنِِ: أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: “ الصُّوَاعُ “ وَ“ السِّقَايَةُ “، سَوَاءً، هُوَ الْإِنَاءُ الَّذِي يُشْرَبُ فِيهِ. قَالَ: حَدَّثَنَا شَبَّابَةُ قَالَ، حَدَّثَنَا وَرْقَاءُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: “ السِّقَايَةُ “ وَ“ الصُّوَاعُ “، شَيْءٌ وَاحِدٌ،، كَانَ يَشْرَبُ فِيهِ يُوسُفُ. قَالَ، أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ قَالَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ، عَنْ وَرْقَاءَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ “ السِّقَايَةُ: “ “ الصُّوَاعُ “، الَّذِي يَشْرَبُ فِيهِ يُوسُفُ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مُعَمِّرٍ، عَنْ قَتَادَةَ: {جَعَلَ السِّقَايَةَ}، قَالَ: مُشْرَبَةُ الْمَلِكِ. حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: {السِّقَايَةَ فِي رَحْلِ أَخِيهِ}، وَهُوَ إِنَاءُ الْمَلِكَ الَّذِي كَانَ يَشْرَبُ فِيهِ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ، حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ، حَدَّثَنِي عَمِّي قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: {قَالُوا نَفْقِدُ صُوَاعَ الْمَلِكِ وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ} وَهِيَ “ السِّقَايَةُ “ الَّتِي كَانَ يَشْرَبُ فِيهَا الْمَلِكُ يَعْنِي مَكُّوكَهُ. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ، حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ، حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَوْلُهُ: {جَعَلَ السِّقَايَةَ} وَقَوْلُهُ: {صُوَاعَ الْمَلِكِ}، قَالَ: هُمَا شَيْءٌ وَاحِدٌ، “ السِّقَايَةُ “ وَ“ الصُّوَاعُ “ شَيْءٌ وَاحِدٌ، يَشْرَبُ فِيهِ يُوسُفُ. حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ قَالَ، سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ يَقُولُ، أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ، سَمِعْتُ الضَّحَاكَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: {جَعَلَ السِّقَايَةَ فِي رَحْلِ أَخِيهِ}، هُوَ الْإِنَاءُ الَّذِي كَانَ يَشْرَبُ فِيهِ الْمَلِكُ. حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ، قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: {جَعَلَ السِّقَايَةَ فِي رَحْلِ أَخِيهِ}، قَالَ: “ السِّقَايَةُ “ هُوَ “ الصُّوَاعُ “ وَكَانَ كَأْسًا مِنْ ذَهَبٍ، فِيمَا يَذْكُرُونَ. قَوْلُهُ: {فِي رَحْلِ أَخِيهِ}، فَإِنَّهُ يَعْنِي: فِي مَتَاعِ أَخِيهِ ابْنِ أُمِّهِ وَأَبِيهِ وَهُوَ بِنْيَامِينُ. وَكَذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: {فِي رَحْلِ أَخِيهِ} أَيْ: فِي مَتَاعِ أَخِيهِ. وَقَوْلُهُ: {ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ}، يَقُولُ: ثُمَّ نَادَى مُنَادٍ. وَقِيلَ: أَعْلَمَ مُعْلِمٌ. {أَيَّتُهَا الْعِيرُ}، وَهِيَ الْقَافِلَةُ فِيهَا الْأَحْمَالُ {إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ}. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرٌو، عَنْ أَسْبَاطَ، عَنِ السُّدِّيِّ: {فَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ جَعَلَ السِّقَايَةَ فِي رَحْلِ أَخِيهِ}، وَالْأَخُ لَا يَشْعُرُ. فَلَمَّا ارْتَحَلُوا أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ قَبْلَ أَنْ تَرْتَحِلَ الْعِيرُ: {إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ}. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ قَالَ، ثُمَّ جَهَّزَهُمْ بِجِهَازِهِمْ، وَأَكْرَمَهُمْ وَأَعْطَاهُمْ وَأَوْفَاهُمْ، وَحَمَّلَ لَهُمْ بَعِيرًا بَعِيرًا، وَحَمَّلَ لِأَخِيهِ بَعِيرًا بِاسْمِهِ كَمَا حَمَّلَ لَهُمْ. ثُمَّ أَمَرَ بِسِقَايَةِ الْمَلِكِ وَهُوَ “ الصُّوَاعُ “، وَزَعَمُوا أَنَّهَا كَانَتْ مِنْ فِضَّةٍ فَجُعِلَتْ فِي رَحْلِ أَخِيهِ بِنْيَامِينَ. ثُمَّ أَمْهَلَهُمْ حَتَّى إِذَا انْطَلَقُوا وَأَمْعَنُوا مِنَ الْقَرْيَةِ، أَمَرَ بِهِمْ فَأُدْرِكُوا، فَاحْتُبِسُوا، ثُمَّ نَادَى مُنَادٍ: {أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ}، قِفُوا. وَانْتَهَى إِلَيْهِمْ رَسُولُهُ فَقَالَ لَهُمْ فِيمَا يَذْكُرُونَ: أَلَمْ نُكْرِمْ ضِيَافَتَكُمْ، وَنُوَفِّكُمْ كَيْلَكُمْ، وَنُحْسِنْ مَنْـزِلَتِكُمْ، وَنَفْعَلْ بِكُمْ مَا لَمْ نَفْعَلْ بِغَيْرِكُمْ، وَأَدْخَلْنَاكُمْ عَلَيْنَا فِي بُيُوتِنَا وَمَنَازِلِنَا؟ أَوْ كَمَا قَالَ لَهُمْ. قَالُوا: بَلَى، وَمَا ذَاكَ؟ قَالَ: سِقَايَةُ الْمَلِكِ فَقَدْنَاهَا، وَلَا نَتَّهِمُ عَلَيْهَا غَيْرَكُمْ. {قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ عَلِمْتُمْ مَا جِئْنَا لِنُفْسِدَ فِي الْأَرْضِ وَمَا كُنَّا سَارِقِينَ}. وَقَوْلُهُ: {أَيَّتُهَا الْعِيرُ}، قَدْ بَيَّنَّا فِيمَا مَضَى مَعْنَى “ الْعِيرِ “، وَهُوَ جَمْعٌ لَا وَاحِدَ لَهُ مَنْ لَفْظِهِ. وَحُكِيَ عَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّ عِيرَ بَنِي يَعْقُوبَ كَانَتْ حَمِيرًا. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: {أَيَّتُهَا الْعِيرُ}، قَالَ: كَانَتْ حَمِيرًا. حَدَّثَنِي الْحَارِثُ قَالَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ قَالَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ: حَدَّثَنِي رَجُلٌ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: {أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ}، قَالَ: كَانَتِ الْعِيرُ حَمِيرًا
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {قَالُوا وَأَقْبَلُوا عَلَيْهِمْ مَاذَا تَفْقِدُونَ قَالُوا نَفْقِدُ صُوَاعَ الْمَلِكِ وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: قَالَ بَنُو يَعْقُوبَ لَمَّا نُودُوا: {أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ}، وَأَقْبَلُوا عَلَى الْمُنَادِي وَمَنْ بِحَضْرَتِهِمْ يَقُولُونَ لَهُمْ: {مَاذَا تَفْقِدُونَ}، مَا الَّذِي تَفْقِدُونَ؟ {قَالُوا نَفْقِدُ صُوَاعَ الْمَلِكِ}، يَقُولُ: فَقَالَ لَهُمُ الْقَوْمُ: نَفْقِدُ مُشْرَبَةَ الْمَلِكِ. وَاخْتَلَفَتِ الْقَرَأَةُ فِي قِرَاءَةِ ذَلِكَ. فَذُكِرَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَرَأَهُ: “ صَاعَ الْمَلِكِ “، بِغَيْرِ وَاوٍ، كَأَنَّهُ وَجَّهَهُ إِلَى “ الصَّاعِ “ الَّذِي يُكَالُ بِهِ الطَّعَامُ. وَرُوِيَ عَنْ أَبِي رَجَاءٍ أَنَّهُ قَرَأَهُ: “ صَوْعَ الْمَلِكِ “. وَرُوِيَ عَنْ يَحْيَى بْنِ يَعْمُرَ أَنَّهُ قَرَأَهُ: “ صَوْغَ الْمَلِكِ “، بِالْغَيْنِ، كَأَنَّهُ وَجَّهَهُ إِلَى أَنَّهُ مَصْدَرٌ مِنْ قَوْلِهِمْ: “ صَاغَ يَصُوغُ صَوْغًا “. وَأَمَّا الَّذِي عَلَيْهِ قَرَأَةُ الْأَمْصَارِ: فَـ {صُوَاعَ الْمَلِكِ}، وَهِيَ الْقِرَاءَةُ الَّتِي لَا أَسْتَجِيزُ الْقِرَاءَةَ بِخِلَافِهَا لِإِجْمَاعِ الْحُجَّةِ عَلَيْهَا. وَ “ الصُّوَاعُ “، هُوَ الْإِنَاءُ الَّذِي كَانَ يُوسُفُ يَكِيلُ بِهِ الطَّعَامَ. وَكَذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي هَذَا الْحَرْفِ: {صُوَاعَ الْمَلِكِ} قَالَ: كَهَيْئَةِ الْمَكُّوكِ. قَالَ: وَكَانَ لِلْعَبَّاسِ مِثْلُهُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ يَشْرَبُ فِيهِ حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ وَحَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ، حَدَّثَنَا أَبِي عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: {صُوَاعَ الْمَلِكِ}، قَالَ، كَانَ مِنْ فِضَّةٍ مِثْلَ الْمَكُّوكِ. وَكَانَ لِلْعَبَّاسِ مِنْهَا وَاحِدٌ فِي الْجَاهِلِيَّةِ. حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ وَحَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ، حَدَّثَنَا أَبِي عَنْ شَرِيكٍ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ فِي قَوْلِهِ: {قَالُوا نَفْقِدُ صُوَاعَ الْمَلِكِ}، قَالَ: كَانَ مِنْ فِضَّةٍ. حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ قَالَ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: أَنَّهُ قَرَأَ: {صُوَاعَ الْمَلِكِ}، قَالَ وَكَانَ إِنَاءَهُ الَّذِي يَشْرَبُ فِيهِ، وَكَانَ إِلَى الطُّولِ مَا هُوَ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ، حَدَّثَنَا سُوِيدُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي عُوَانَةَ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: {صُوَاعَ الْمَلِكِ}، قَالَ، الْمَكُّوكَ الْفَارِسِيَّ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا الْحَجَّاجُ بْنُ الْمِنْهَالِ قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو عُوَانَةَ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ، {صُوَاعَ الْمَلِكِ}، قَالَ، هُوَ الْمَكُّوكُ الْفَارِسِيُّ الَّذِي يَلْتَقِي طَرَفَاهُ، كَانَتْ تَشْرَبُ فِيهِ الْأَعَاجِمُ. قَالَ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَغْرَاءَ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَاكِ، فِي قَوْلِهِ: {صُوَاعَ الْمَلِكِ}، قَالَ، إِنَاءُ الْمَلِكِ الَّذِي كَانَ يَشْرَبُ فِيهِ. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ، حَدَّثَنَا يَحْيَى يَعْنِي ابْنَ عَبَّادٍ قَالَ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: {صُوَاعَ الْمَلِكِ}، مَكُّوكٌ مِنْ فِضَّةٍ يَشْرَبُونَ فِيهِ. وَكَانَ لِلْعَبَّاسِ وَاحِدٌ فِي الْجَاهِلِيَّةِ. حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مُعَمِّرٍ، عَنْ قَتَادَةَ: {صُوَاعَ الْمَلِكِ}، إِنَاءَ الْمَلِكَ الَّذِي يَشْرَبُ فِيهِ. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو عُوَانَةَ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، فِي قَوْلِهِ: {صُوَاعَ الْمَلِكِ}، قَالَ: هُوَ الْمَكُّوكُ الْفَارِسِيُّ الَّذِي يَلْتَقِي طَرَفَاهُ. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ، حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ، حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ، “ الصُّوَاعُ “، كَانَ يَشْرَبُ فِيهِ يُوسُفُ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَمَّرٍ الْبَحْرَانِيُّ قَالَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الْوَارِثِ قَالَ، حَدَّثَنَا صَدَقَةُ بْنُ عَبَّادٍ، عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: {صُوَاعَ الْمَلِكِ}، قَالَ، كَانَ مِنْ نُحَاسٍ. وَقَوْلُهُ: {وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بِعِيرٍ}، يَقُولُ: وَلِمَنْ جَاءَ بِالصُّوَاعِ حِمْلُ بِعِيرٍ مِنَ الطَّعَامِ، كَمَا:- حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَوْلُهُ: {وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ}، يَقُولُ: وَقَرُ بِعِيرٍ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ، حَدَّثَنَا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {حِمْلُ بَعِيرٍ}، قَالَ: حِمْلُ حِمَارٍ وَهِيَ لُغَةٌ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ، حَدَّثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ. وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ، عَنْ وَرْقَاءَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَوْلُهُ: {حِمْلُ بَعِيرٍ} قَالَ: حِمْلُ حِمَارٍ وَهِيَ لُغَةٌ. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ، حَدَّثَنَا شَبَّابَةُ قَالَ، حَدَّثَنَا وَرْقَاءُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ، حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ، حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ، قَوْلُهُ: {حِمْلُ بَعِيرٍ} قَالَ، حِمْلُ حِمَارٍ. وَقَوْلُهُ، {وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ}، يَقُولُ: وَأَنَا بِأَنْ أُوَفِّيَهُ حِمْلَ بِعِيرٍ مِنَ الطَّعَامِ إِذَا جَاءَنِي بِصُوَاعِ الْمَلِكِ كَفِيلٌ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي عَلِيٌّ قَالَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ، حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلُهُ: {وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ}، يَقُولُ: كَفِيلٌ. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ، حَدَّثَنَا شَبَّابَةُ قَالَ، حَدَّثَنَا وَرْقَاءُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَوْلُهُ: {وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ}، “ الزَّعِيمُ “، هُوَ الْمُؤَذِّنُ الَّذِي قَالَ: {أَيَّتُهَا الْعِيرُ}. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ، حَدَّثَنَا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ، حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ، حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ، وَأَبُو خَالِدٍ الْأَحْمَرُ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: بَلَغَنِي عَنْ مُجَاهِدٍ، ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوَهُ. حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ قَالَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ قَالَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ، عَنْ وَرْقَاءَ بْنِ إِيَاسٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: {وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ}، قَالَ: كَفِيلٌ. حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: {وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ}: أَيْ: وَأَنَا بِهِ كَفِيلٌ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مُعَمِّرٍ، عَنْ قَتَادَةَ: {وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ}، قَالَ: كَفِيلٌ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو خَالِدٍ الْأَحْمَرُ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَاكِ: {وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ}، قَالَ: كَفِيلٌ. حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَرَجِ قَالَ، سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ يَقُولُ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ، سَمِعْتُ الضَّحَاكَ، فَذَكَرَ مِثْلَهُ. حَدَّثَنِي الْحَارِثُ قَالَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: {وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ}، قَالَ: كَفِيلٌ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ، حَدَّثَنَا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ: قَالَ لَهُمْ الرَّسُولُ: إِنَّهُ مَنْ جَاءَنَا بِهِ فَلَهُ حِمْلُ بِعِيرٍ، وَأَنَا بِهِ كَفِيلٌ بِذَلِكَ حَتَّى أُؤَدِّيَهُ إِلَيْهِ. وَمِنَ “ الزَّعِيمِ “ الَّذِي بِمَعْنَى الْكَفِيلِ، قَوْلُ الشَّاعِرِ: فَلَسْـتُ بِـآمِرٍ فِيهَـا بِسَـلْمٍ *** وَلَكِـنِّي عَـلَى نَفْسِـي زَعِيـمُ وَأَصْلُ “ الزَّعِيمِ “، فِي كَلَامِ الْعَرَبِ: الْقَائِمُ بِأَمْرِ الْقَوْمِ، وَكَذَلِكَ “ الْكَفِيلُ “ وَ“ الْحَمِيلُ “. وَلِذَلِكَ قِيلَ: رَئِيسُ الْقَوْمِ زَعِيمُهُمْ ومُدَبِّرُهُمْ. يُقَالُ مِنْهُ: “ قَدْ زَعُمَ فُلَانٌ زَعَامَةً وزَعَامًا “، وَمِنْهُ قَوْلُلَيْلَى الْأَخْيَلِيَّةِ: حَـتَّى إِذَا بَـرَزَ اللِّـوَاءُ رَأَيْتَـهُ *** تَحْـتَ اللِّـوَاءِ عَـلَى الخَـمِيسِ زَعِيمَا
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ عَلِمْتُمْ مَا جِئْنَا لِنُفْسِدَ فِي الْأَرْضِ وَمَا كُنَّا سَارِقِينَ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: قَالَ إِخْوَةُ يُوسُفَ: (تَاللَّهِ) يَعْنِي: وَاللَّهِ. وَهَذِهِ التَّاءُ فِي (تَاللَّهِ)، إِنَّمَا هِيَ “ وَاوٌ “ قُلِبَتْ “ تَاءً “ كَمَا فُعِلَ ذَلِكَ فِي “ التَّوْرَاةِ “ وَهِيَ مِنْ “ وَرَّيْتُ “، وَ“ التُّرَاثِ “، وَهِيَ مَنْ “ وَرِثْتُ “، و “ التُّخَمَةِ “ وَهِيَ مِنَ “ الْوَخَامَةِ “، قُلِبَتِ الْوَاوُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ تَاءً، وَ“ الْوَاوُ “ فِي هَذِهِ الْحُرُوفِ كُلِّهَا مِنَ الْأَسْمَاءِ، وَلَيْسَتْ كَذَلِكَ فِي (تَاللَّهِ)، لِأَنَّهَا إِنَّمَا هِيَ وَاوُ الْقَسَمِ، وَإِنَّمَا جُعِلَتْ تَاءً لِكَثْرَةِ مَا جَرَى عَلَى أَلْسُنِ الْعَرَبِ فِي الْأَيْمَانِ فِي قَوْلِهِمْ: “ وَاللَّهِ “، فَخُصَّتْ فِي هَذِهِ الْكَلِمَةِ بِأَنْ قُلِبَتْ تَاءً. وَمَنْ قَالَ ذَلِكَ فِي اسْمِ اللَّهِ فَقَالَ: “ تَاللَّهِ “. لَمْ يَقُلْ “ تَالرَّحْمَنِ “ وَ“ تَالرَّحِيمِ “، وَلَا مَعَ شَيْءٍ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ، وَلَا مَعَ شَيْءٍ مِمَّا يُقْسَمُ بِهِ، وَلَا يُقَالُ ذَلِكَ إِلَّا فِي “ تَاللَّهِ “ وَحْدَهُ. وَقَوْلُهُ: {لَقَدْ عَلِمْتُمْ مَا جِئْنَا لِنُفْسِدَ فِي الْأَرْضِ}، يَقُولُ: لَقَدْ عَلِمْتُمْ مَا جِئْنَا لِنَعْصِيَ اللَّهَ فِي أَرْضِكُمْ. كَذَلِكَ كَانَ يَقُولُ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ، فِي قَوْلِهِ: {قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ عَلِمْتُمْ مَا جِئْنَا لِنُفْسِدَ فِي الْأَرْضِ}، نَقُولُ: مَا جِئْنَا لِنَعْصِيَ فِي الْأَرْضِ. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: وَمَا كَانَ عِلْمُ مَنْ قِيلَ لَهُ {لَقَدْ عَلِمْتُمْ مَا جِئْنَا لِنُفْسِدَ فِي الْأَرْضِ}، بِأَنَّهُمْ لَمْ يَجِيئُوا لِذَلِكَ، حَتَّى اسْتَجَازَ قَائِلُو ذَلِكَ أَنْ يَقُولُوهُ؟ قِيلَ: اسْتَجَازُوا أَنْ يَقُولُوا ذَلِكَ لِأَنَّهُمْ فِيمَا ذُكِرَ رَدُّوا الْبِضَاعَةَ الَّتِي وَجَدُوهَا فِي رِحَالِهِمْ، فَقَالُوا: لَوْ كُنَّا سُرَّاقًا لَمْ نَرُدَّ عَلَيْكُمْ الْبِضَاعَةَ الَّتِي وَجَدْنَاهَا فِي رِحَالِنَا. وَقِيلَ: إِنَّهُمْ كَانُوا قَدْ عُرِفُوا فِي طَرِيقِهِمْ وَمَسِيرِهِمْ أَنَّهُمْ لَا يَظْلِمُونَ أَحَدًا وَلَا يَتَنَاوَلُونَ مَا لَيْسَ لَهُمْ، فَقَالُوا ذَلِكَ حِينَ قِيلَ لَهُمْ: {إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ}.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {قَالُوا فَمَا جَزَاؤُهُ إِنْ كُنْتُمْ كَاذِبِينَ قَالُوا جَزَاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزَاؤُهُ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: قَالَ أَصْحَابُ يُوسُفَ لِإِخْوَتِهِ: فَمَا ثَوَابُ السَّرَقِ إِنْ كُنْتُمْ كَاذِبِينَ فِي قَوْلِكُمْ {مَا جِئْنَا لِنُفْسِدَ فِي الْأَرْضِ وَمَا كُنَّا سَارِقِينَ}؟ {قَالُوا جَزَاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزَاؤُهُ}، يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: وَقَالَ إِخْوَةُ يُوسُفَ: ثَوَابُ السَّرَقِ مَنْ وُجِدَ فِي مَتَاعِهِ السَّرَقُ {فَهُوَ جَزَاؤُهُ}، يَقُولُ: فَالَّذِي وُجِدَ ذَلِكَ فِي رَحْلِهِ ثَوَابُهُ بِأَنْ يُسَلَّمَ بِسَرِقَتِهِ إِلَى مَنْ سَرَقَ مِنْهُ حَتَّى يَسْتَرِقَّهُ {كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ}، يَقُولُ: كَذَلِكَ نَفْعَلُ بِمَنْ ظَلَمَ فَفَعَلَ مَا لَيْسَ لَهُ فِعْلُهُ مِنْ أَخْذِهِ مَالَ غَيْرِهِ سَرَقًا. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ، حَدَّثَنَا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ: {فَهُوَ جَزَاؤُهُ)، أَيْ: سُلِّمَ بِهِ (} كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ)، أَيْ: كَذَلِكَ نَصْنَعُ بِمَنْ سَرَقَ مِنَّا. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مُعَمِّرٍ قَالَ، بَلَغَنَا فِي قَوْلِهِ: {قَالُوا فَمَا جَزَاؤُهُ إِنْ كُنْتُمْ كَاذِبِينَ}، أَخْبَرُوا يُوسُفَ بِمَا يُحْكَمُ فِي بِلَادِهِمْ أَنَّهُ مَنْ سَرَقَ أُخِذَ عَبْدًا، فَقَالُوا: {جَزَاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزَاؤُهُ}. حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ، حَدَّثَنَا عَمْرٌو، عَنْ أَسْبَاطَ، عَنِ السُّدِّيِّ: {قَالُوا فَمَا جَزَاؤُهُ إِنْ كُنْتُمْ كَاذِبِينَ قَالُوا جَزَاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزَاؤُهُ}، تَأْخُذُونَهُ فَهُوَ لَكُمْ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَمَعْنَى الْكَلَامِ: قَالُوا: ثَوَابُ السَّرَقِ الْمَوْجُودُ فِي رَحْلِهِ كَأَنَّهُ قِيلَ: ثَوَابُهُ اسْتِرْقَاقُ الْمَوْجُودِ فِي رَحْلِهِ “، ثُمَّ حُذِفَ “ اسْتِرْقَاقُ “، إِذْ كَانَ مَعْرُوفًا مَعْنَاهُ. ثُمَّ ابْتُدِئَ الْكَلَامُ فَقِيلَ: {هُوَ جَزَاؤُهُ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ}. وَقَدْ يَحْتَمِلُ وَجْهًا آخَرَ: أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ: قَالُوا ثَوَابُ السَّرَقِ، الَّذِي يُوجَدُ السَّرَقُ فِي رَحْلِهِ، فَالسَّارِقُ جَزَاؤُهُ فَيَكُونُ “ جَزَاؤُهُ “ الْأَوَّلُ مَرْفُوعًا بِجُمْلَةِ الْخَبَرِ بَعْدَهُ، وَيَكُونُ مَرْفُوعًا بِالْعَائِدِ مِنْ ذِكْرِهِ فِي “ هُوَ “، وَ“ هُوَ “ مُرَافِعُ “ جَزَاؤُهُ “ الثَّانِي. وَيَحْتَمِلُ وَجْهًا ثَالِثًا: وَهُوَ أَنْ تَكُونَ “ مَنْ “ جَزَاءً وَتَكُونَ مَرْفُوعَةً بِالْعَائِدِ مِنْ ذِكْرِهِ فِي “ الْهَاءِ “ الَّتِي فِي “ رَحْلِهِ “، وَ“ الْجَزَاءُ “ الْأَوَّلُ مَرْفُوعًا بِالْعَائِدِ مِنْ ذِكْرِهِ فِي “ وُجِدَ “، وَيَكُونُ جَوَابُ الْجَزَاءِ “ الْفَاءَ “ فِي “ فَهُوَ “. وَ“ الْجَزَاءُ “ الثَّانِي مَرْفُوعٌ بِـ “ هُوَ “، فَيَكُونُ مَعْنَى الْكَلَامِ حِينَئِذٍ: قَالُوا: جَزَاءُ السَّرَقِ، مَنْ وُجِدَ السَّرَقُ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ ثَوَابُهُ، يُسْتَرَقُّ وَيُسْتَعْبَدُ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعَاءِ أَخِيهِ ثُمَّ اسْتَخْرَجَهَا مِنْ وِعَاءِ أَخِيهِكَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَفَتَّشَ يُوسُفُ أَوْعِيَتَهُمْ وَرِحَالَهُمْ، طَالِبًا بِذَلِكَ صُوَاعَ الْمَلِكَ، فَبَدَأَ فِي تَفْتِيشِهِ بِأَوْعِيَةِ إِخْوَتِهِ مِنْ أَبِيهِ، فَجَعَلَ يُفَتِّشُهَا وِعَاءً وِعَاءً قَبْلَ وِعَاءِ أَخِيهِ مِنْ أَبِيهِ وَأُمِّهِ، فَإِنَّهُ أَخَّرَ تَفْتِيشَهُ، ثُمَّ فَتَّشَ آخِرَهَا وِعَاءَ أَخِيهِ، فَاسْتَخْرَجَ الصُّوَاعَ مِنْ وِعَاءِ أَخِيهِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَوْلُهُ: {فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعَاءِ أَخِيهِ}، ذُكِرَ لَنَا أَنَّهُ كَانَ لَا يَنْظُرُ فِي وِعَاءٍ إِلَّا اسْتَغْفَرَ اللَّهَ تَأَثُّمًا مِمَّا قَذَفَهُمْ بِهِ، حَتَّى بَقِيَ أَخُوهُ، وَكَانَ أَصْغَرَ الْقَوْمِ، قَالَ: مَا أَرَى هَذَا أَخَذَ شَيْئًا! قَالُوا: بَلَى فَاسْتَبْرِهِ! أَلَا وَقَدْ عَلِمُوا حَيْثُ وَضَعُوا سِقَايَتَهُمْ {ثُمَّ اسْتَخْرَجَهَا مِنْ وِعَاءِ أَخِيهِ}. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مُعَمِّرٍ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: {فَاسْتَخْرَجَهَا مِنْ وِعَاءِ أَخِيهِ}، قَالَ: كَانَ كُلَّمَا فَتَحَ مَتَاعًا اسْتَغْفَرَ تَائِبًا مِمَّا صَنَعَ، حَتَّى بَلَغَ مَتَاعَ الْغُلَامِ، فَقَالَ: مَا أَظُنُّ هَذَا أَخَذَ شَيْئًا! قَالُوا: بَلَى، فاستَبْرِهِ! حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَسْبَاطَ، عَنِ السُّدِّيِّ قَالَ، {فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعَاءِ أَخِيهِ}، فَلَمَّا بَقِيَ رَحْلُ الْغُلَامِ قَالَ: مَا كَانَ هَذَا الْغُلَامُ لِيَأْخُذَهُ! قَالُوا: وَاللَّهِ لَا يُتْرَكُ حَتَّى تَنْظُرَ فِي رَحْلِهِ، لِنَذْهَبَ وَقَدْ طَابَتْ نَفْسُكَ. فَأَدْخَلَ يَدَهُ فَاسْتَخْرَجَهُ مِنْ رَحْلِهِ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ، حَدَّثَنَا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ قَالَ: لَمَّا قَالَ الرَّسُولُ لَهُمْ: {وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ}، قَالُوا: مَا نَعْلَمُهُ فِينَا وَلَا مَعَنَا. قَالَ: لَسْتُمْ بِبَارِحِينَ حَتَّى أُفَتِّشَ أَمْتِعَتَكُمْ، وَأُعْذَرَ فِي طَلَبِهَا مِنْكُمْ! فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ وِعَاءً وِعَاءً يُفَتِّشُهَا وَيَنْظُرُ مَا فِيهَا، حَتَّى مَرَّ عَلَى وِعَاءِ أَخِيهِ فَفَتَّشَهُ، فَاسْتَخْرَجَهَا مِنْهُ، فَأَخَذَ بِرَقَبَتِهِ، فَانْصَرَفَ بِهِ إِلَى يُوسُفَ. يَقُولُ اللَّهُ: {كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ}. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ، حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: ذُكِرَ لَنَا أَنَّهُ كَانَ كُلَّمَا بَحَثَ مَتَاعَ رَجُلٍ مِنْهُمُ اسْتَغْفَرَ رَبَّهُ تَأَثُّمًا، قَدْ عَلِمَ أَيْنَ مَوْضِعُ الَّذِي يَطْلُبُ! حَتَّى إِذَا بَقِيَ أَخُوهُ، وَعَلِمَ أَنَّ بُغْيَتَهُ فِيهِ، قَالَ: لَا أَرَى هَذَا الْغُلَامَ أَخَذَهُ، وَلَا أُبَالِي أَنْ لَا أَبْحَثَ مَتَاعَهُ! قَالَ إِخْوَتُهُ: إِنَّهُ أَطْيَبُ لِنَفْسِكَ وَأَنْفُسِنَا أَنْ تَسْتَبْرِئَ مَتَاعَهُ أَيْضًا. فَلَمَّا فَتَحَ مَتَاعَهُ اسْتَخْرَجَ بُغْيَتَهُ مِنْهُ، قَالَ اللَّهُ: {كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ}. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ فِي الْهَاءِ وَالْأَلِفِ اللَّتَيْنِ فِي قَوْلِهِ: {ثُمَّ اسْتَخْرَجَهَا مِنْ وِعَاءِ أَخِيهِ}. فَقَالَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْبَصْرَةِ: هِيَ مِنْ ذِكْرِ “ الصُّوَاعِ “، قَالَ: وَأَنَّثَ وَقَدْ قَالَ: {وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ}، لِأَنَّهُ عَنَى “ الصُّوَاعَ “. قَالَ، وَ“ الصُّوَاعُ “، مُذَكَّرٌ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُؤَنِّثُ “ الصُّوَاعَ “، وَعَنَى هَهُنَا “ السِّقَايَةَ “، وَهِيَ مُؤَنَّثَةٌ. قَالَ: وَهُمَا اسْمَانِ لِوَاحِدٍ، مِثْلَ “ الثَّوْبِ “ وَ“ الْمِلْحَفَةِ “، مُذَكَّرٌ وَمُؤَنَّثٌ لِشَيْءٍ وَاحِدٍ. وَقَالَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْكُوفَةِ فِي قَوْلِهِ: {ثُمَّ اسْتَخْرَجَهَا مِنْ وِعَاءِ أَخِيهِ}، ذَهَبَ إِلَى تَأْنِيثِ “ السَّرِقَةِ “. قَالَ: وَإِنْ يَكُنِ “ الصُّوَاعُ “ فِي مَعْنَى “ الصَّاعِ فَلَعَلَّ هَذَا التَّأْنِيثَ مِنْ ذَلِكَ. قَالَ، وَإِنْ شِئْتَ جَعَلْتَهُ لِتَأْنِيثِ السِّقَايَةِ. قَالَ: و “ الصُّوَاعُ “ ذَكَرٌ، وَ“ الصَّاعُ “ يُؤَنَّثُ وَيُذَكَّرُ، فَمَنْ أَنَّثَهُ قَالَ، ثَلَاثَ أَصْوُعٍ، مِثْلَ ثَلَاثَ أَدْوُرٍ، وَمَنْ ذَكَّرَهُ قَالَ “ أَصُوَاعٌ “، مِثْلَ أَبْوَابٍ. وَقَالَ آخِرُ مِنْهُمْ: إِنَّمَا أَنَّثَ “ الصُّوَاعَ “ حِينَ أَنَّثَ لِأَنَّهُ أُرِيدَتْ بِهِ “ السِّقَايَةُ “، وَذَكَّرَ حِينَ ذَكَّرَ، لِأَنَّهُ أُرِيدَ بِهِ “ الصُّوَاعُ “. قَالَ: وَذَلِكَ مِثْلُ “ الْخُوَانِ “ وَ“ الْمَائِدَةِ “، وَ“ سِنَانِ الرُّمْحِ “ وَ“ عَالِيَتِهِ “، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنَ الشَّيْءِ الَّذِي يَجْتَمِعُ فِيهِ اسْمَانِ: أَحَدُهُمَا مُذَكَّرٌ، وَالْآخِرُ مُؤَنَّثٌ. وَقَوْلُهُ: {كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ}، يَقُولُ: هَكَذَا صَنَعْنَا لِيُوسُفَ، حَتَّى يُخَلِّصَ أَخَاهُ لِأَبِيهِ وَأُمِّهِ مِنْ إِخْوَتِهِ لِأَبِيهِ، بِإِقْرَارٍ مِنْهُمْ أَنَّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ مِنْهُمْ وَيَحْتَبِسَهُ فِي يَدَيْهِ، وَيَحُولُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ. وَذَلِكَ أَنَّهُمْ قَالُوا، إِذْ قِيلَ لَهُمْ: {مَا جَزَاؤُهُ إِنْ كُنْتُمْ كَاذِبِينَ}: جَزَاءُ مَنْ سَرَقَ الصُّوَاعَ أَنَّ مَنْ وُجِدَ ذَلِكَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ مُسْتَرَقٌّ بِهِ، وَذَلِكَ كَانَ حُكْمَهُمْ فِي دِينِهِمْ. فَكَادَ اللَّهُ لِيُوسُفَ كَمَا وَصَفَ لَنَا حَتَّى أَخَذَ أَخَاهُ مِنْهُمْ، فَصَارَ عِنْدَهُ بِحُكْمِهِمْ وَصُنْعِ اللَّهِ لَهُ. وَقَوْلُهُ: {مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ}، يَقُولُ: مَا كَانَ يُوسُفُ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي حُكْمِ مَلِكِ مِصْرَ وَقَضَائِهِ وَطَاعَتِهِ مِنْهُمْ، لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مِنْ حُكْمِ ذَلِكَ الْمَلِكِ وَقَضَائِهِ أَنْ يُسْتَرَقَّ أَحَدٌ بِالسَّرَقِ، فَلَمْ يَكُنْ لِيُوسُفَ أَخْذُ أَخِيهِ فِي حُكْمِ مَلِكِ أَرْضِهِ، إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ بِكَيْدِهِ الَّذِي كَادَهُ لَهُ، حَتَّى أَسْلَمَ مَنْ وُجِدَ فِي وِعَائِهِ الصُّوَاعُ إِخْوَتُهُ وَرُفَقَاؤُهُ بِحُكْمِهِمْ عَلَيْهِ، وَطَابَتْ أَنْفُسُهُمْ بِالتَّسْلِيمِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ قَالَ: حَدَّثَنَا شَبَّابَةُ قَالَ، حَدَّثَنَا وَرْقَاءُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَوْلُهُ: {مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ}، إِلَّا فِعْلَةً كَادَهَا اللَّهُ لَهُ، فَاعْتَلَّ بِهَا يُوسُفُ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ، حَدَّثَنَا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: {كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ} كَادَهَا اللَّهُ لَهُ، فَكَانَتْ عِلَّةً لِيُوسُفَ. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ، حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ، حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: {لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ}، قَالَ: إِلَّا فِعْلَةً كَادَهَا اللَّهُ، فَاعْتَلَّ بِهَا يُوسُفُ قَالَ حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَوْلُهُ: {كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ}، قَالَ: صَنَعْنَا. حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ، حَدَّثَنَا عَمْرٌو، عَنْ أَسْبَاطَ، عَنِ السُّدِّيِّ: {كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ}، يَقُولُ: صَنَعْنَا لِيُوسُفَ. حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ قَالَ، سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ يَقُولُ، أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ، سَمِعْتُ الضَّحَاكَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: {كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ}، يَقُولُ: صَنَعْنَا لِيُوسُفَ وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: {مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ}. فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي سُلْطَانِ الْمَلِكِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ، حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ، حَدَّثَنِي عَمِّي قَالَ، حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلُهُ: {مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ}، يَقُولُ: فِي سُلْطَانِ الْمَلِكِ. حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، يَقُولُ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَاكَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: {مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ}، يَقُولُ: فِي سُلْطَانِ الْمَلِكِ. وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى ذَلِكَ: فِي حُكْمِهِ وَقَضَائِهِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَوْلُهُ: {مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ}، يَقُولُ: مَا كَانَ ذَلِكَ فِي قَضَاءِ الْمَلِكِ أَنْ يَسْتَعْبِدَ رَجُلًا بِسَرِقَةٍ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مُعَمِّرٍ، عَنْ قَتَادَةَ: {فِي دِينِ الْمَلِكِ}، قَالَ: لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ فِي دِينِ الْمَلِكِ قَالَ: حُكْمُهُ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ مُحَمَّدُ بْنُ لَيْثٍ الْمَرْوَزِيُّ، عَنْ رَجُلٍ قَدْ سَمَّاهُ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ، عَنْ أَبِي مَوْدُودٍ الْمَدِينِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ كَعْبٍ الْقُرَظِيَّ يَقُولُ: {قَالُوا جَزَاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزَاؤُهُ} {كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ}، قَالَ: دِينُ الْمَلِكِ لَا يُؤْخَذُ بِهِ مَنْ سَرَقَ أَصْلًا وَلَكِنَّ اللَّهَ كَادَ لِأَخِيهِ، حَتَّى تَكَلَّمُوا مَا تَكَلَّمُوا بِهِ، فَأَخَذَهُمْ بِقَوْلِهِمْ، وَلَيْسَ فِي قَضَاءِ الْمَلِكِ. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مُعَمِّرٍ قَالَ: بَلَغَهُ فِي قَوْلِهِ: {مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ}، قَالَ: كَانَ حُكْمُ الْمَلِكِ أَنَّ مَنْ سَرَقَ ضُوعِفَ عَلَيْهِ الْغُرْمُ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرٌو، عَنْ أَسْبَاطَ، عَنِ السُّدَى: {مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ}، يَقُولُ: فِي حُكْمِ الْمَلِكِ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ: {مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ}:، أَيْ: بِظُلْمٍ، وَلَكِنَّ اللَّهَ كَادَ لِيُوسُفَ لِيُضَمَّ إِلَيْهِ أَخَاهُ. حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: {مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ}، قَالَ: لَيْسَ فِي دِينِ الْمَلِكِ أَنْ يُؤْخَذَ السَّارِقُ بِسَرِقَتِهِ. قَالَ: وَكَانَ الْحُكْمُ عِنْدَ الْأَنْبِيَاءِ، يَعْقُوبَ وَبَنِيهِ، أَنْ يُؤْخَذَ السَّارِقُ بِسَرِقَتِهِ عَبْدًا يُسْتَرَقُّ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَهَذِهِ الْأَقْوَالُ وَإِنِ اخْتَلَفَتْ أَلْفَاظُ قَائِلِيهَا فِي مَعْنَى “ دِينِ الْمَلِكِ “، فَمُتَقَارِبَةُ الْمَعَانِي، لِأَنَّ مَنْ أَخَذَهُ فِي سُلْطَانِ الْمَلِكِ عَامَلَهُ بِعَمَلِهِ، فَبِرِضَاهُ أَخَذَهُ إذًا لَا بِغَيْرِهِ، وَذَلِكَ مِنْهُ حُكْمٌ عَلَيْهِ، وَحُكْمُهُ عَلَيْهِ قَضَاؤُهُ. وَأَصْلُ “ الدِّينِ “، الطَّاعَةُ. وَقَدْ بَيَّنْتُ ذَلِكَ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ بِشَوَاهِدِهِ بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ. وَقَوْلُهُ: {إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} كَمَا:- حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرٌو، عَنْ أَسْبَاطَ، عَنِ السُّدِّيِّ: {إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ}، وَلَكِنْ صَنَعْنَا لَهُ، بِأَنَّهُمْ قَالُوا: {فَهُوَ جَزَاؤُهُ}. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: {إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} إِلَّا بِعِلَّةٍ كَادَهَا اللَّهُ، فَاعْتَلَّ بِهَا يُوسُفُ. وَقَوْلُهُ: {نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ}، اخْتَلَفَتِ الْقَرَأَةُ فِي قِرَاءَةِ ذَلِكَ. فَقَرَأَهُ بَعْضُهُمْ: “ نَرْفَعُ دَرَجَاتِ مَنْ نَشَاءُ “ بِإِضَافَةِ “ الدَّرَجَاتِ “ إِلَى “ مَنْ “ بِمَعْنَى: نَرْفَعُ مَنَازِلَ مَنْ نَشَاءُ رَفْعَ مَنَازِلِهِ وَمَرَاتِبِهِ فِي الدُّنْيَا بِالْعِلْمِ عَلَى غَيْرِهِ، كَمَا رَفَعْنَا مَرْتَبَةَ يُوسُفَ فِي ذَلِكَ وَمَنْـزِلَتَهُ فِي الدُّنْيَا عَلَى مَنَازِلِ إِخْوَتِهِ وَمَرَاتِبِهِمْ. وَقَرَأَ ذَلِكَ آخَرُونَ: {نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ} بِتَنْوِينِ “ الدَّرَجَاتِ “، بِمَعْنَى: نَرْفَعُ مَنْ نَشَاءُ مَرَاتِبَ وَدَرَجَاتٍ فِي الْعِلْمِ عَلَى غَيْرِهِ، كَمَا رَفَعْنَا يُوسُفَ. فَـ “ مَنْ “ عَلَى هَذِهِ الْقِرَاءَةِ نَصْبٌ، وَعَلَى الْقِرَاءَةِ الْأُولَى خَفْضٌ. وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ فِي “ سُورَةِ الْأَنْعَامِ “. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ: حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ قَالَ: قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ قَوْلُهُ: {نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ}، يُوسُفُ وَإِخْوَتُهُ، أُوتُوا عِلْمًا، فَرَفَعْنَا يُوسُفَ فَوْقَهُمْ فِي الْعِلْمِ. وَقَوْلُهُ: {وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ}، يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَفَوْقَ كُلِّ عَالِمٍ مَنْ هُوَ أَعْلَمُ مِنْهُ، حَتَّى يَنْتَهِيَ ذَلِكَ إِلَى اللَّهِ. وَإِنَّمَا عَنَى بِذَلِكَ أَنَّ يُوسُفَ أَعْلَمُ إِخْوَتِهِ، وَأَنَّ فَوْقَ يُوسُفَ مَنْ هُوَ أَعْلَمُ مِنْ يُوسُفَ، حَتَّى يَنْتَهِيَ ذَلِكَ إِلَى اللَّهِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ الْعَقْدِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَبْدِ الْأَعْلَى الثَّعْلَبِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ حَدَّثَ بِحَدِيث، فَقَالَ رَجُلٌ عِنْدَهُ: {وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ}، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: بِئْسَمَا قُلْتَ! إِنَّ اللَّهَ هُوَ عَلِيمٌ، وَهُوَ فَوْقَ كُلِّ عَالِمٍ. حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ وَحَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَبْدِ الْأَعْلَى، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: حَدَّثَ ابْنُ عَبَّاسٍ بِحَدِيثٍ، فَقَالَ رَجُلٌ عِنْدَهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، {وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ} ! فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الْعَالِمُ اللَّهُ، وَهُوَ فَوْقَ كُلِّ عَالِمٍ. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ، عَنْ عَبْدِ الْأَعْلَى، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: كُنَّا عِنْدَ ابْنِ عَبَّاسٍ، فَحَدَّثَ حَدِيثًا، فَتَعَجَّبَ رَجُلٌ فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، {فَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ} ! فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: بِئْسَمَا قُلْتَ: اللَّهُ الْعَلِيمُ، وَهُوَ فَوْقَ كُلِّ عَالِمٍ. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ وَابْنُ وَكِيعٍ قَالَا حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: {وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ}، قَالَ: يَكُونُ هَذَا أَعْلَمَ مِنْ هَذَا، وَهَذَا أَعْلَمُ مِنْ هَذَا، وَاللَّهُ فَوْقَ كُلِّ عَالِمٍ. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْأَحْوَصِ، عَنْ عَبْدِ الْأَعْلَى، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: {وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ}، قَالَ: اللَّهُ الْخَبِيرُ الْعَلِيمُ، فَوْقَ كُلِّ عَالِمٍ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ عَبْدِ الْأَعْلَى، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: {وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ}، قَالَ: اللَّهُ فَوْقَ كُلِّ عَالِمٍ. حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ وَحَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي عَنْ أَبِي مَعْشَرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ قَالَ: سَأَلَ رَجُلٌ عَلِيًّا عَنْ مَسْأَلَةٍ، فَقَالَ فِيهَا، فَقَالَ الرَّجُلُ: لَيْسَ هَكَذَا وَلَكِنْ كَذَا وَكَذَا. قَالَ عَلِيٌّ: أَصَبْتَ وَأَخْطَأْتُ، {وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ}. حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، وَابْنُ وَكِيعٍ قَالَا حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ خَالِدٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ فِي قَوْلِهِ: {وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ}، قَالَ: عِلْمُ اللَّهِ فَوْقَ كُلِّ أَحَدٍ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، عَنْ نَضِرٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: {وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ}، قَالَ: اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، حَدَّثَنَا يَعْلَى بْنُ عُبَيْدٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَبْدِ الْأَعْلَى، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: {وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ}، قَالَ: اللَّهُ أَعْلَمُ مِنْ كُلِّ أَحَدٍ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنِ ابْنِ شُبْرُمَةَ، عَنِ الْحَسَنِِ، فِي قَوْلِهِ: {وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ}، قَالَ: لَيْسَ عَالَمٌ إِلَّا فَوْقَهُ عَالَمٌ، حَتَّى يَنْتَهِيَ الْعِلْمُ إِلَى اللَّهِ. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَاصِمٌ قَالَ: حَدَّثَنَا جُوَيْرِيَّةُ، عَنْ بَشِيرٍ الْهَجِيمِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ الْحَسَنَ قَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ يَوْمًا: {وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ}، ثُمَّ وَقَفَ فَقَالَ: إِنَّهُ وَاللَّهِ مَا أَمْسَى عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ عَالَمٌ إِلَّا فَوْقَهُ مَنْ هُوَ أَعْلَمُ مِنْهُ، حَتَّى يَعُودَ الْعِلْمُ إِلَى الَّذِي عَلَّمَهُ. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيٌّ، عَنْ جَرِيرٍ، عَنِ ابْنِ شُبْرُمَةَ، عَنِ الْحَسَنِِ: {وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ}، قَالَ: فَوْقَ كُلِّ عَالَمٍ عَالِمٌ، حَتَّى يَنْتَهِيَ الْعِلْمُ إِلَى اللَّهِ. حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: {وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ}، حَتَّى يَنْتَهِيَ الْعِلْمُ إِلَى اللَّهِ، مِنْهُ بُدِئَ، وَتَعَلَّمَتِ الْعُلَمَاءُ، وَإِلَيْهِ يَعُودُ. فِي قِرَاءَةِ عَبْدِ اللَّهِ: “ وَفَوْقَ كُلِّ عَالِمٍ عَلِيمٌ “. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: إِنْ قَالَ لَنَا قَائِلٌ: وَكَيْفَ جَازَ لِيُوسُفَ أَنْ يَجْعَلَ السِّقَايَةَ فِي رَحْلِ أَخِيهِ، ثُمَّ يُسَرِّقَ قَوْمًا أَبْرِيَاءَمِنَ السَّرَقِ وَيَقُولُ: {أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ}؟ قِيلَ: إِنَّ قَوْلَهُ: {أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ}، إِنَّمَا هُوَ خَبَرٌ مِنَ اللَّهِ عَنْ مُؤَذِّنٍ أَذَّنَ بِهِ، لَا خَبَرَ عَنْ يُوسُفَ. وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ الْمُؤَذِّنُ أَذَّنَ بِذَلِكَ إِذْ فَقَدَ الصُّوَاعَ وَلَا يَعْلَمُ بِصَنِيعِ يُوسُفَ. وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ كَانَ أَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ بِذَلِكَ عَنْ أَمْرِ يُوسُفَ، وَاسْتَجَازَ الْأَمْرَ بِالنِّدَاءِ بِذَلِكَ، لِعِلْمِهِ بِهِمْ أَنَّهُمْ قَدْ كَانُوا سَرَقُوا سَرِقَةً فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ، فَأَمَرَ الْمُؤَذِّنِ أَنْ يُنَادِيَهُمْ بِوَصْفِهِمْ بِالسَّرَقِ، وَيُوسُفُ يَعْنِي ذَلِكَ السَّرَقَ لَا سَرَقَهُمُ الصُّوَاعَ. وَقَدْ قَالَ بَعْضُ أَهْلِ التَّأْوِيلِ: إِنْ ذَلِكَ كَانَ خَطَأً مِنْ فِعْلِ يُوسُفَ، فَعَاقَبَهُ اللَّهُ بِإِجَابَةِ الْقَوْمِ إِيَّاهُ: {إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ}، وَقَدْ ذَكَرْنَا الرِّوَايَةَ فِيمَا مَضَى بِذَلِكَ.
|